في المدرسة الابتدائية في اليابان يوجد نوادٍ لكل أنواع النشاطات، الموسيقى والرسم والنجارة والخياطة والسباحة وكل أنواع الرياضات الأخرى. وفي كل مدرسة يوجد مسبح نظامي وحديقة زراعية صغيرة، وفي كل مدرسة مكتبة يستطيع أن يستعير منها الطالب الكتب التي تناسبه، أو التي يطلب منه قراءتها..
في كتاب المستشرق الياباني "نوبوأكي نوتوهارا" "العرب وجهة نظر يابانية"، يتحدث في مقدمة الكتاب عن اليابان وما واجهها من أهوال وفقر وتجارب مريرة، ويشير إلى أن السبب هو سيطرة العسكريين على الإمبراطور والسلطة والشعب، قادوا البلاد إلى حروب مجنونة ضد الدول المجاورة، وانتهى الأمر بتدمير اليابان من قبل الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الثانية، ودفع الشعب الياباني ثمناً باهظاً. ويضيف: "بفضل النقد الذاتي حددنا الخطأ وقررنا تصحيحه، أبعدنا العسكريين عن السلطة. وبدأنا نبني ما دمره القمع العسكري. استغرق ذلك أكثر من عشرين سنة. تعلمنا أن القمع يؤدي إلى تدمير الثروة الوطنية وقتل الأبرياء، وانحراف السلطة عن الطريق الصحيح.
المهم أننا وعينا خطأنا ثم عملنا على تصحيح الخطأ، كان الفضل في معرفة الطريق الصحيح هو أننا وعينا قيمة النقد الذاتي قبل كل شيء، وبدونه كنا سنستمر في الخطأ، ولن نجد الطريق لتصحيح الأخطاء.
وجدنا أننا بحاجة إلى النقد من الداخل والخارج، ومن لا يقبل النقد سيكرر الأخطاء، وتتدنى إنتاجيته حتى يصل إلى الحضيض".
ويضيف الكاتب: "كثيراً ما يوجه لي أصدقائي العرب السؤال التالي: لقد ضربتكم أميركا بالقنابل النووية ودمرت مدنكم فلماذا تتعاملون معها؟ وأجيبهم: اليابان ارتكبت أخطاء جسيمة بحق جيرانها، علينا أن نعي أخطاءنا قبل كل شيء، ثم نصحح الأخطاء، أما مشاعر العداء لدولة بحجم وقوة أميركا فلا تصنع مستقبلاً، ولا تبني بلداً دمرته الحرب. لقد عشت مآسي الحرب العالمية الثانية وما بعدها، ثم استمتعت بثمار النهوض الاقتصادي الياباني الذي غزا أميركا في عقر دارها. ولو لم نقم بالنقد الذاتي، ونصحح الوضع، ونقيم علاقات قوية ومتوازنة مع كل القوى الفاعلة على مستوى العالم لبقينا ضعفاء ومعزولين عن العالم".
ويتساءل المؤلف: لماذا لا يستفيد العرب من تجاربهم؟ لماذا لا ينتقدون أخطاءهم؟ لماذا يكررون الأخطاء نفسها؟ أعرف أن التصحيح يحتاج إلى وقت. لكن السؤال هو: كم يحتاج العرب من وقت ليستفيدوا من تجاربهم ويصححوا أخطاءهم؟ لماذا لا يدرسون إخفاقات ونجاحات غيرهم ليستفيدوا منها حتى يضعوا أنفسهم على الطريق الصحيح للتنمية والتقدم؟ الأخطاء من طبيعة البشر وعلى كل المستويات العسكرية والاقتصادية ومشروعات التنمية والتعليم والصحة وغيرها، ولا تقلل الأخطاء إلا بإعطاء كل مشروع ما يستحق من الدراسة ومن كل الجوانب ومن أكثر من جهة.
نوبوأكي نوتوهارا مستشرق ياباني أمضى أكثر من أربعين عاماً يتنقل بين الدول العربية، زار مصر مراراً، وزار المغرب، والتقى ببعض كتابها، وزار ليبيا وأعجب بالصحراء وبالكاتب الليبي إبراهيم الكوني ورواياته التي تدور حول الصحراء وحياة الطوارق. دخل المخيمات الفلسطينية وتحدث إلى ساكنيها، وتعاطف مع القضية الفلسطينية، وترجم إلى اللغة اليابانية نصوص بعض أدبائها وكتابها من أمثال: غسان كنفاني وبعض قصائد محمود درويش.
انتقد الكثير من السلوكيات والممارسات التي شاهدها وعاشها في بعض المدن العربية، والازدواجية بين سلوك الرجل العربي داخل بيته وخارجه، وعدم اهتمامه بالمرافق العامة ونظافتها.
وعن التعليم يقول: "المجتمع العربي ليس عنده استعداد ليرعى المواهب ويقويها، أما في اليابان فنعتبر الموهبة الفردية نعمة وقدرة تحقق نجاحاً في حياتنا، ولذا يراقب الوالدان الطفل ويدققان في قدراته في الفنون والعلوم والرياضة، وهذه من بديهيات التربية في اليابان. وفي المدرسة الابتدائية في اليابان يوجد نوادٍ لكل أنواع النشاطات، الموسيقى والرسم والنجارة والخياطة والسباحة وكل أنواع الرياضات الأخرى. وفي كل مدرسة يوجد مسبح نظامي وحديقة زراعية صغيرة، وفي كل مدرسة مكتبة يستطيع أن يستعير منها الطالب الكتب التي تناسبه، أو التي يطلب منه قراءتها. كما يوجد قاعات للمسرح والمناسبات. بكل اختصار، المدرسة مجهزة ليمارس فيها الطالب أي هواية يرغب فيها، فلماذا لا نجد مثل ذلك في الدول العربية، مع أن التعليم هو أعظم الاستثمارات على الإطلاق، وأكثرها ربحية على المدى البعيد، فلم تتقدم اليابان إلا بجودة تعليمها، وباكتشاف المواهب وتنميتها من قبل الوالدين والمدرسة. التعليم هو سرّ تفوقنا وخلف كل إنجازاتنا".
كتاب "العرب وجهة نظر يابانية" وصل إلى طبعته التاسعة، وهو جدير بالقراءة وقبول النقد وتصحيح الأخطاء المستمرة التي تعاني منها المجتمعات العربية. وأفضل وسيلة لتقليل الأخطاء هي البدء من حيث انتهى الآخرون، مع إدخال التعديلات المناسبة للبيئة العربية وثقافتها.




http://www.alriyadh.com/1955673]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]