شكّل المسرح منذ القدم ملمحاً حضارياً وأداة تعبيرية وتثقيفية وتنويرية للمجتمع؛ ولذلك عدّه البعض مدرسة الشعوب.
من هنا فإنّ إيلاء المسرح هذه الأهمية يأتي انعكاساً لقيمته ودوره الحضاري والتنويري؛ الأمر الذي جعل من إنشاء المسارح والفرق المسرحية في الوطن العربي منذ خمسينيات القرن المنصرم خطوة اجتماعية ضرورية في طريق التنوير والتثقيف والترفيه أيضاً.
وجاء الاهتمام اللافت الذي توليه وزارة الثقافة للمسرح ليؤكد دوره كفعل حضاري يملك القدرة على تقديم تراثنا وقيمنا ومجتمعنا بشكل حقيقي ويترجم الصورة الناصعة لإرثنا وموروثنا.
فبالأمس شهدنا عرضاً مسرحياً راقياً ومتفوقاً عبر مسرحية «جميل بثينة» قدمته فرقة مسرح كركلا بدعوة من وزارة الثقافة على مسرح جامعة الأميرة نورة. وقد استثمر العرض تقديم لمحات تاريخية جميلة عن تاريخ المملكة وتراثها وقيم إنسانها؛ فقد شهدت العروض عرضاً بانورامياً يُظهر طبيعة الجزيرة العربية الجميلة، وتنوُّعَ المشاهد الرائعة في معالمها التاريخية والمعاصرة إلى جانب موروثها الحضاري والتاريخي الغنيّ والعصور والممالك التي مرّت عليها. كما فتح للمشاهدين باب الحكايات عن أشهر سير العشاق الآتية من عمق التاريخ، بينها قصة روميو وجولييت، وآخناتون ونفرتيتي، كما استذكر العرض قصة عنترة بن شداد وحبه، وكيف كانت تخْطر عبلة على باله حتى وهو في عـز المعارك والخطر، وقد برع الكاتب في تجسيد الأفكار والصور والمعاني التي يود إيصالها عبر الراوي في المسرحية الذي جسد جسراً زمنياً نقل المشاهد إلى الماضي البعيد بمشاهد استعادية لسرد تاريخ العلا، والأزمنة المتتالية والحقبات التي مرت عليها. والجميع من حوله منصتون مهتمُّون مأْخوذون بشغَف الاكتشاف.
وفي أحد المشاهد نقل الراوي الجمهور إلى تلك الواحة الرائعة التي تجري فيها أحداث الكتاب، من تاريخ مملكة إلى تاريخ مملكة أخرى، كأنه يُـمسك في حديثه شريط العصور الـمتعاقبة فيذهب بمشاهده إلى العصور القديمة في العلا ليروي بعدها عن ممالك الدادانيين، ومن ثم الممالك اللحيانية وأخيراً ممالك النبطيين، وصولاً إلى زمن جميل بثينة. ثم تتواصل المشاهد ليعيدنا الراوي من الزمن الماضي إلى الزمن الحاضر، إلى فضاء المملكة العربية السعودية. ويشير النص إلى هذه الأمة التي عرفت كيف تبني الازدهار وكيف تجعل الحاضر للآتي منارًا، حيث أضاءت أنوارُ الرؤيةِ الساميةِ لمسيرة التطورِ والرقي، فأمستِ المملكة مركزَ اشعاعٍ لحركةِ الثقافةِ العالميةِ تتلالأ بنور العلم والمعرفة وواحةً للفنِ والإبداعِ.
العرض الذي استمر عدة أيام أبان كيف أن المسرح بتقنياته وممكناته وفضائه وأفقه المفتوح قادر على أن يجسد القيم والتاريخ والحضارات عبر أدواته التعبيرية التي جعلت منه سيد وأبا الفنون.
http://www.alriyadh.com/1956695]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]