يذهب العالم اليوم إلى رؤيا النهايات المفزعة، حينما تدخل القارّة الأوروبية (وهي قلب حضارة الإنسان الحديثة)، حيث الغرب التنويري في وحل حربٍ مخيفة مع الشرق ممثلة بروسيا، التي تستعيد وجودها عبر تسلّح أمتد لأكثر من سبعين عاماً بين سباق نووي وحرب كنا نسميها حرباً باردة حتى اشتعلت فجأة دون مقدمات، منذرة بنهاية مرعبة لكوكب الأرض، وحرب أخرى على مستوى العيش ممثلة بالصين التي تحاول التهام لقمة العالم التي ظلّت سائغة دائماً لعالم الغرب الحديث، جاءت هذه الحرب العسكرية بعد أن بالغ الإنسان كثيراً في صناعة أدوات القتل، وبات متقنًا لها.. في المقابل يجيء هذا الحضور الصيني بعد أن انهارت اقتصادات العالم بسبب جائحة كورونا وهي التي يصر كثيرون أنها هي الأخرى أحد أشكال الحروب البيولوجية الجديدة، لكنّ مفردة «حرب» ليست إلا راء زائدة توسطت كلمة الحب.. هكذا يقول الشعراء، أما عني فترهقني هذه اللغة.. تنثرني كهواء فقاعة في فضاءٍ صائف، فآخذها بين حين وحين لمواسم الخيال وإرادة الشاعر، وما أحب أن تعينني عليه ذاكرتي، لهذا وقفت اليوم عند هذه الراء التي توسّطت الــ«حب» فأخرجته من جنون العناق لفنون الفراق، ومن جنة اللقاء لطقوس العزاء، هكذا أخذته من جغرافيا الحياة لتاريخ الموت.. ومن سرير الوجود.. لرماد الوقود..
أقول: ما الذي تخفيه وراءها هذه الراء لتفعل كل هذا؟ ثم أستعين بذاكرتي على ما أريد، فأجد أن كثيرًا من أفعالنا الرائيّة استعلائية أو تملّكية أو حتى عدائية، هكذا مثلاً كما تداهنني ذاكرتي: (ردَع/ رفس/ ركب/ رجم/ راوغ/ رابى/ رجع/ رمى)، أعلم أن هناك أفعالًا أخرى قد لا تحمل هذه الرؤيا كما أشاء، لكنني بالفعل مهووس بما فعلته هذه الراء في الحب. كيف خلّفت لنا صورة الإنسان الذي استأنس في الحياة كل شيء ثم نسي نفسه؟ كيف كتبت هذه الراء تواريخ الأمم السابقة بالدماء؟ بل كيف جعلت من انتصاراتنا قتلاً ومن هزائمنا قتلاً؟
هكذا استطاعت أن تدحر السلام على الأرض، كل هذه التواريخ التي تبدأ بما قبل...، وتنتهي بكورونا، إنها أسئلة الشعر للشعر، حينما يلتمس في اللغة بعض ما يفسّر له وجوده دون أن يستهدف البحث أو يتوخّى الاستقصاء، لكنه يحاول تأويله، ويؤول محاولته معًا.. لهذا لا تخرج لغته من فضاءاتها المتسعة اعتباطًا حتى إن لم يبلغها إجابةً، كما أن اللغة ذاتها إن لم تسهم مع الشعر في حضورها بمناورة خيالاته، واستلهام هلاماته، وتحمُّل مؤونة ما يرويه عنها، فإنها بذلك ستفتقد هذا «الحب» الذي يربطه بها، وتترك لرائها عبثها الوجودي المتكرر...
فاصلة:
(قفا نبكِ).. يا جدي وقفنا على غدٍ
وعدنا إلى الماضي ولم نتبدّلِ
ركبنا غبار العمر حلمًا وثورةً
وصرنا إلى ذكرى (حبيبٍ ومنزلِ)




http://www.alriyadh.com/1959588]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]