لقد فرضت الرقابة المرورية بقوة القانون الذي فرض المخالفات ولكن لا سبيل إلى فرض الأخلاقيات إلا من نفوس قوية وكريمة وهينة لينة (حرمت النار على كل هين لين) نفوس غير شحيحة فلا تهتم ببضع ثوانٍ تتأخر فيها مقابل أن تفسح الطريق لغيرها..
منذ سنوات كانت إدارة المرور تكثر من تذكير الناس بأن القيادة فن وذوق وأخلاق، فكنا نرى هذه العبارة تتكرر في اللوحات الإرشادية في كل مكان، ولما لم تؤتِ هذه العبارة ثمارها على مدى سنوات طوال جاء ساهر ومعه المخالفات المرورية، وتدنت إلى حد كبير أرقام الحوادث المرعبة التي حصدت أرواح الناس ولكن هذا لم يمنع غياب الذوق والأخلاق المرورية عند كثير من الناس، أما الفن فهو موجود لو حددناه بمهارة القيادة فقط وهي ما يتمتع بها كثير من الناس حتى ولو كانوا من المخالفين للأنظمة فهذا الفن يفهمه بعضهم بأنه فن المراوغة بين السيارات أو فن الانطلاق السريع قبل أن تتغير ألوان الإشارة أو غيرها من الأخطاء التي لا تسجل ضده كمخالفة مرورية فلا يهتم كونها مخالفة أخلاقية.
ومع أن النساء لم يدخلن ميدان القيادة إلا منذ أعوام قليلة إلا أن بعضهن كن يقدن السيارة بالأمر للسائق فتجدها تعرف المخارج والمداخل وتعرف كل الأنظمة المرورية وتتابع الطريق بدقة لتعرف من أين جاءت وأين ذهبت وتعرف الأخطاء المرورية التي يقع فيها الرجال أثناء القيادة، وقد تستشيط غضباً من هذا وذاك وكأنها من يقود السيارة من شدة متابعتها وملاحظتها لحركة السير. وهناك من تركب السياره وتترك الأمر كله للسائق لدرجة أن بعضهن قد يخطئن حتى في معرفة مواقع بيوتهن! لأنها تشغل نفسها في السيارة بمكالمات أو قراءات أو غيرها وهذه وتلك كلهن اليوم يقدن سياراتهن في الشوارع بعد التدريب أو بعد الخبرة المسبقة نظرياً.
ولا شك أن النوع الثاني لن يتقن القيادة بسهولة وسرعة كغيرهن وسيقعن في الخطأ مرة بعد أخرى ولكنهن بالتأكيد أفضل بكثير من مراهق أو طفل يقود السيارة برضا أهله وعلمهم أو دون ذلك أو من كبير أرعن يقود سيارته دون أي اعتبار للأنظمة المرورية سواء في الشوارع الرئيسة أو الفرعية، ومؤسف أننا نصادف هؤلاء بكثرة في الشوارع، ولكن الأسوأ هو فقدان الذوق والأخلاق المرورية عند كثير من الكبار! خذ على سبيل المثال: لو أراد أحدهم أن يخرج من مواقف سيارت يقع على الشارع مباشرة فإنه سيضطر أن يتوقف في مكانه مدة قد تطول أو تقصر حتى يسمح له صاحب خلق رفيع أن يخرج سيارته بأمان ويكمل طريقه عندما يوقف سيارته ليعطيه المجال ليخرج، أما غيره فهم يمرون من خلفه دون اهتمام وربما ينبهونه بعنف بعزف مستمر من أبواق سياراتهم وكأن أحدهم يقول له انتبه لا تخرج أنا قادم فإياك أن تخرج! ودائماً أسأل نفسي ماذا ستأخذ من وقتهم هذه الثواني المعدودة التي يتوقفون فيها ليسمحوا لأحدهم بالخروج من مكانه؟ إنها أخلاق مفتقدة.
ومثال آخر: أنت في طريقك وأحدهم يقف ليستعد للخروج من طريق فرعي وينتظرك أن تمر فما الذي سيضرك لو كنت تنوي الالتفاف لليمين قبل الوصول إليه أن تنبهه بإضاءة إشارة الالتفاف ليتابع هو سيره؟ إنها أخلاق مفتقدة! وأيضاً لو أردت الانتقال من حارة لأخرى في الطريق واستأذنت من خلفك بإشارتك الضوئية فمن النادر أن تجد من يهدئ من سرعته ويعطيك فسحة في الطريق!! غريب جداً غياب هذه الأخلاقيات ليس لأنها ليست ضمن قوانين المرور بل لأنها من أخلاقيات الإنسان التي يفترض أننا تعلمناها من هدي المصطفى (أعط الطريق حقه).
إن هذه اللفتات الصغيرة كبيرة جداً في ميزان الأخلاق وصغيرة جداً في أنظمة المرور لأنك عندما تسير في الشوارع وكأنك تسابق الريح ولا تأذن لهذا أن يخرج من موقفه ولا تفسح لذاك بتعديل مساره سيكون مكسبك بضع ثوانٍ لن تفيدك بشيء وقد تجده بعد قليل يقف بجانبك عند إشارة المرور التي أجبرتك على التوقف!! فلماذا لم تقدم المعروف وتتعامل مع الآخرين بحب واحترام وتقدير وبعيداً كل البعد عن الأنانية المرورية التي تسيطر على كثير من الناس كأولئك الذين يجدون طابور السيارات عند الإشارة طويل جداً فيتخطون الجميع ويزاحمون الخارجين من أول الطريق عندما تفتح الإشارة لهم! وهذا المنظر يتكرر يومياً عند كل إشارة تقريباً!
لقد فرضت الرقابة المرورية بقوة القانون الذي فرض المخالفات ولكن لا سبيل إلى فرض الأخلاقيات إلا من نفوس قوية وكريمة وهينة لينة (حرمت النار على كل هين لين) نفوس غير شحيحة فلا تهتم ببضع ثوانٍ تتأخر فيها مقابل أن تفسح الطريق لغيرها، نفوس ترى أن هذا الذي يقف في مكانه الصحيح عند الإشارة أولى منها بالمرور قبلهم ولن تزاحمه من أجل أن تمر قبله وقد يتسبب التصرف بإلحاق الضرر بسيارته لمجرد أنهم يكرهون الوقوف عند الإشارات!! ولا أدري ما الحساسية التي تسببها إشارة المرور لبعضهم ولا يطيقون الانتظار عندها فتراهم يرواوغون بين السيارت فكلما فرغ مكان ما في اليمين اتجه إليه لعل هذا المسار يسير قبل غيره وإذا رأى فراغاً في الشمال اتجه إليه فهذا أسرع! حركة غريبة تنم عن نيلهم درجة صفر في الصبر ومئة في الأنانية!
http://www.alriyadh.com/1960125]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]