هنيئًا لمن وفقه الله لزيارة بيته المحرم وتأدية ركن من أركان الإسلام، وهنيئًا لمن تمنى بقلبه وبروحه أن يكون بين صفوف أولئك ببدنه، ثم هنيئًا لمن شرفه الله بالقيام على خدمة الحجاج، وتسهيل كل ما يحتاجون إليه، وأكرمهم ورحب بهم وحرسهم وخدمهم وأطعمهم وداوى مريضهم، وهنيئًا لقادة هذه البلاد المباركة التي اختارها لتكون هي الأحق في خدمة بيته وإكرام ضيوفه..
اعتادت الناس على حب الفسحة والبراح بينهم حين يتجمعون، لكننا نرى ملايين البشر يتزاحمون بين جبال وأودية مكة؛ في منى وعرفات وعند الطواف وعند رمي الجمرات وفي سعيهم بين الصفا والمروة، يتزاحمون بحب وألفة، لا يتضايق بعضهم من بعض، ولا يعبس أحدهم في وجه الآخر، بل وجوه في تلك السوح ناضرة إلى رضوان الله ناظرة، توحدت محبتهم وتفرد محبوبهم، وتوحدت تلبيهم، وتوحدت أعمالهم، إنهم من لبى نداء الله بالحج الأكبر، وتجشموا عناء السفر ومشقة طي المفاوز والقفار، يحدوهم إلى بيت الله شوقهم إليه، فلا يحول بينهم وبين هدفهم صعوبة ولا مشقة، كما قيل:
وما أنت بالمشتاق إن قلت بيننا
طوال الليالي أو بعاد المفاوزِ
فهيأ الله لهم أرضه وسماءه، وزوى لهم بعد الطريق، وقيض لهم جنودًا يحبون الله ورسوله، تسرهم المشقة ويسعدهم التعب في خدمة ضيوف الرحمن، في بلاد الحرمين التي يجتمع تحت سمائها وعلى بساط رملها ووديانها وجبالها أصدق من أحب، وأوفى من بذل، وأصبر من أراد، يجتمعون في أحب البقاع إلى الله، وفي أفضل الأيام عند الله، يريدون غاية ما يسعى إليه كل مؤمن وهو "رضا الله سبحانه".
لقد كنا ظننّا أن ما أحاط بنا من تقنيات قربت البعيد وذللت الصعاب، ظننا أنها أذهبت الروحانية التي تظلل مشاعرنا وشعائرنا، ولم يبق معنا غير مسمى العبادات وصورها، إلا أن ذلك سرعان ما يتبدد، ثم تتجدد للروح أنوار المحبة والشوق والإقبال على الله، ما إن ترج المسامع أصوات ملايين الملبين، "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك"
في سائر بلاد الله، حيث ملايين الناظرين لهذه الثلة المباركة التي حباها الله خير ما يتمناه المسلمون من زيارة بيت الله الحرام، نجد تلك الجموع من البشر معلقة أفئدتهم بما يفعله حجاج بيت الله الحرام، ويرسمون في مخيلاتهم أفواج الحجاج وهم يؤدون المناسك، ومع ما يسره الله من وسائل نقل الشعائر بالصوت والصورة، إلا أن قلوب العالمين من المسلمين معلقة بأولئك الموفقين، الموعودين بحياة جديدة خالية من آثام الماضي، نقية من تمني الشهوات ومطامع النفوس، تائبة من كل ما يغضب محبوبها، بعد أن فتح لها باب الصفاء والنقاء، واستئناف العمر بأرباح مضاعفة، في الصحيح أن خير من لبى ووقف وطاف وسعى صلى الله عليه وآله وسلم، قال: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" ويا لها من كرامة لمن حفظها ورعاها.
في سائر بلاد الله يضحك الناس ويمرحون، فرحين بيوم هو يوم فرحتهم وفسحتهم، بين ابتسامات الأطفال، واجتماع الأحبة، وتزين البلاد بأفضل ما يجملها من عمران وحدائق ومصانع ومدن وشوارع، إلا أن نفوسهم تسبح مع تموج تلبية الملبين وصدى أصوات المهللين والمكبرين بين شعاب مكة، التي نزل فيها جبريل بخير رسالة ختم بها الكتب، على خير نبي ورسول ختم به الأنبياء والرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فهنيئًا لمن وفقه الله لزيارة بيته المحرم وتأدية ركن من أركان الإسلام، وهنيئًا لمن تمنى بقلبه وبروحه أن يكون بين صفوف أولئك ببدنه، ثم هنيئًا لمن شرفه الله بالقيام على خدمة الحجاج، وتسهيل كل ما يحتاجون إليه، وأكرمهم ورحب بهم وحرسهم وخدمهم وأطعمهم وداوى مريضهم، وهنيئًا لقادة هذه البلاد المباركة التي اختارها لتكون هي الأحق في خدمة بيته وإكرام ضيوفه، وعيد سعيد، وكل عام والأمة الإسلامية بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال. هذا، والله من وراء القصد.
http://www.alriyadh.com/1960977]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]