لا أعرف إن كانت وسائل التواصل الاجتماعي هي من جعلتنا ننفتح على كل شيء فينا.. جعلتنا أكثر انكشافًا على خوالجنا، وأكثر بوحًا لذلك الحنين الذي يرتادنا بين مناسبة وأخرى، هذا العيد حملت التهنئة فيه دائما حولي الحنين إلى الراحلين منا.. سواء الأقرباء أو الأصدقاء.. حملت صورهم وكرّست للشوق إليهم.. فجاءت تهانيه بطعم الرثاء واستعادة وجع الفقد، ولأن استعادة الماضي ورفض أحداثه مدعاة للحزن كما يقول علماء النفس، لهذا شعرت وكأنه عيد الأيتام، الذي لبس ثياب حزنه الجديدة.. فبات عاريا بها، فاليتْم بطبيعته عراء العمر فجأةً.. عاصفةٌ من الخوف والجوع تهبّ من جهة الفقْد.. تخترق الأضلاع باتجاه القلب ثم لا تتوقّف حتى تقذفه في بحر الوجع، ولجج الحنين إنه فراغٌ وجوديٌّ لا ينتهي.. وجعٌ يتلاءمُ على الفرح، تماماً كما يتواءم مع الحزن. هو عمرٌ آخر يكفله الآخرون، فيهدّده الموت كل ساعة..
فاليتْم سفر الوحيد إلى بلادٍ يجهلها.. انتهاء آخر الأنفاس بفراغٍ لا تملأه التنهدات..
حالةٌ يقينية لا تفنى ولا تنتهي ولا تشبع منا.. أوجاع آبائنا قبلنا فأوجاعنا بهم، ثم تتمادى فلا ينتهي بها الأمر في أوجاع أبنائنا بعدنا...
فصل خامس بخيل من فصول الحياة تتعرّى فيه شجرة العمر حتى لو كانت في ربيعها..!
إنه حزنٌ مخبوءٌ في جيوب الغيب.. نعرفه يقيناً كالموت، لكننا نحيا به كلما مات الآباء فينا.. فكأنما هو حياة موت أو موت حياة، لا فرق بينهما حين تجتمع الأيام على فقدٍ سواء!
لا أعرفُ في الإنسان أنّى كان وكيفما وُجِد إلا وتأخذه عاطفته ليتيم يهدهد روحه ولو بنظرةٍ آمنة،
ولا أعرف عن كل يتيمٍ على الأرض إلا ويبحث عنها في كل وجهٍ يلتقيه.
فلليتيم ملامح ضياع، وَجْهٌ يمتزج فيه الغموض بالخوف، والسؤال بالإجابة.. والحنين بالنسيان، دمعةٌ لا يجهلها القلب ولا تتجاوزها الشهقة.. ولا تتولاها الظنون..
كأنما في راحة كل يتيم برد طويل.. وفي عينه لمعةٌ لاتنطفئ.. وعلى شفتيه كلامٌ ينتهي عادةً قبل أن ينتهي..!
واليتيم وحده من يقف مشدودًا كوترٍ حزين بين ذكريات أمسه، ووعيد غده، فلا تلامسه أنامل السؤال إلا حزنًا، ولا يدوزنه إلا أهل الجنة..!
فاصلة :
بنيّ الصغيرُ..
إذا اكتظّ صيف الرمال على صدري الهشِّ
واستنشقتني أنوفُ القبورْ..
فكن مثلما كنتُ حين رمقتُ أبي..
يصبُّ المياهَ على نخلةِ الدارِ
يخصبُ أعذاقها للطيورْ
ويقرئني سيرة الفجرِ
يهجسُ بي صوتُه كلما حطّ في نخلةِ الدارِ عصفورُ نورْ..
فماتَ .. ومازالتِ النخلة الآنَ تشرب من ماءِ عينيَّ
والطير مازال بكر الحضورْ
http://www.alriyadh.com/1961773]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]