الفكر والسلوك السياسيان يتبديان بجلاء في التعاطي السعودي مع الأحداث والمواقف والمُتغيّرات كافة؛ فهو تعاطٍ أنموذجي خلاّق يتمتّع بالرصانة الأخلاقية وثبات المواقف وعدم ارتهانه للمصالح المؤقتة والعابرة، ولا يخنع لرياح التحديات أيّاً كانت. لذا فإن المتتبّع لمواقفها يلحظ بعين بصيرة أنّ الوثوقية التي لا يداخلها شكّ وسلامة القرار ونجاعته تأتي مترجمةً لحصافة الفكر السياسي الذي يستبصر المستقبل بعيون ثاقبة لا يعشيّها غبش تردُّد ولا غبار تعجّل.
لم يكن الاندفاع يوماً محرّكاً للقرار السعودي ولا العاطفة؛ بل هي الرؤية الواعية التي تتجاوز ضيق الأفق السياسي، والفكر العميق الذي راكمتْهُ التجارب والأيام، ذلك الفكر النيّر المُشعّ الذي اعتاد على أن يُنضج قراراته على نار التمهّل والاستبصار والنظرة الواسعة التي تحيط بالأحداث والمواقف وتشبعها درساً وفهماً ثمّ تصدر القرار الصائب المُتّئد الناضج. قرار يضع في حسبانه المصلحة الوطنية أولاً؛ والمسؤولية التاريخية تجاه الإقليم والعالم ثانياً.
من هنا فإن النهج السعودي وسلوكه السياسي يعدّان أنموذجاً في التعاطي المسؤول الذي ينطلق من أخلاقيات الكبار ومن رصيد قيمي تعاملي يتسامى عن المصالح المؤقتة أو الأهداف المشوبة بالزيف أو التعامل اللا أخلاقي. أو من خلال منطق أنوي جشع كما هي بعض الدول التي تمارس ازدواجية المعايير وفق براغماتية نفعية جشعة.
إن قمة جدة بما حفلت به من مواقف تجسيد للحنكة السعودية ولثبات المواقف؛ ودورها في إطفاء لهيب الأحداث العالمية المستعرة. تثبت المملكة يوماً بعد يوم أنها تُغلّب حسّ المسؤولية التاريخية تجاه شعبها وكذلك تجاه أشقائها وتجاه العالم بأسره؛ فهي دولة وكيان سياسي ذو تأثير كبير وبعيد المدى يتجاوز محيطه وإقليمه ليعم نفعه العالم بأسره. ولو وقفنا على التأثير والدور المحوري الممتد على مستوى العالم لاحتجنا إلى مساحات أرحب. يكفي أن الدور السعودي تجاه تأمين أمن المنطقة واستقرارها أوضح من الشمس في رابعة النهار؛ ولو عرّجنا على الدور السعودي في تأمين إمدادات البترول والطاقة للعالم في ظلّ المتغيرات الحالية فإننا سنبدأ ولا ننتهي.
هي مسؤولية تاريخية تنهض بها بلادنا وتؤكد أنّ الأفعال هي الحكم الفصل ولها الكلمة العليا في موضعة المملكة في موقعها الذي يعكس أهميتها وموقعها الجيوسياسي العميق الذي لا يمكن إنكاره؛ ولو حاول الكارهون أو الحاسدون. وهو قدر هذه البلاد التي اختصها الله بأن جعلها مهوى أفئدة كل العالم.




http://www.alriyadh.com/1962072]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]