لقد كان النموذج العربي عبر التاريخ نموذج استقرار، ولكن مع دخول القرن العشرين تغير هذا المفهوم، ومع مرور عقدين من القرن الحادي والعشرين تبنت بعض الدول العربية وخاصة الخليجية مفهوماً أكثر وعياً في حركة الإصلاح السياسي العربي..
الكتلة العربية ستظل محوراً حاسماً في النضج السياسي من عدمه وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، ففكرة العروبة وعبر تاريخها أثبتت أنها فكرة سياسية غير مؤكدة من حيث الرؤية والأهداف والتوظيف، وأثبت الاستخدام والتداول التاريخي لفكرة العروبة بين الدول العربية نفسها أن مرونة مصطلح العروبة ساهم في تمزقه بين أيديولوجيات ذهبت في النهاية إلى التناحر والانتقام والخيانة لبعضها عبر التاريخ العربي وخاصة خلال القرن العشرين، والواقع أنه تضافرت عدة عوامل ساهمت في نمو في اتجاهات خاطئة لحركات الإصلاح السياسي في عالمنا العربي.
المعنى الذي أتبناه في فكرة الإصلاح السياسي ليست الديمقراطية أو الشيوعية، أو أيديولوجية بذاتها، من وجهة نظري أثبتت التجربة البشرية أن فكرة سيطرة النموذج الواحد سياسيا فكرة فاشلة، فعندما كتب فوكوياما نهاية التاريخ فقد طرح فكرة أن العالم يناقض سننه المرتبطة بالحركة والتغير ليصل إلى الثبات عبر تبني مفاهيم سياسية يمكن تحويلها إلى نماذج مقدسة تشبه الكتب السماوية، هذه المحاولة الجريئة لكتاب نهاية التاريخ كانت جزءا من النظرة المتفاخرة التي نظر بها النظام الديمقراطي الغربي لنفسه وتحديدا النظام الأمريكي.
في منظومتنا العربية من المهم التأكيد أن فهم الذات سياسيا وفقاً للمصالح ممكن لدى أي نظام سياسي، ولكن الفارق هو طريقة هذا الفهم، فطريقة الفهم مجهولة بالنسبة للكثير، ويحدد الحماس والمشاعر المتسارعة المتدفقة الأفكار التي يتبناها النظام السياسي، لقد عاش العالم العربي منذ القرن الماضي وحتى اليوم عملية اختناق في فهم حركة الإصلاح السياسي حتي سيطرت الأيديولوجيات العقدية والثقافة والاجتماعية على المشهد، وتم تجاهل الاقتصاد والتنمية عمداً وهذا ما جعلنا نكتشف بشكل واضح حجم تأخرنا عن العالم في الاقتصاد والتنمية، حتى عندما حاولت الكثير من الدول البحث عن مخرج اقتصادي فقد لجأت إلى ربط حصانها التنموي والاقتصادي بأعمدة الأيديولوجيا وهذا ما أفشل المشروعات الاقتصادية.
لقد حاولت النماذج السياسية العربية منذ منتصف القرن الماضي وخاصة الثورية منها السعى إلى بناء نموذج ثابت لأنظمتها السياسية وكانت هذه العملية محاطة بالمخاطر التي حدثت بالفعل ودفعت الشعوب العربية ثمنا باهظاً لها، وكان السؤال المؤلم للجميع لماذا نحن متخلفون، وهل من نماذج سياسية يمكن إفرازها مستقبلا تستطيع أن تغير مفاهيم الواقع العربي..؟، الحقيقة التي أرهقت مشروعاتنا التنموية تمثلت في إشغال الأنظمة السياسية العربية بفكرة السيطرة والسلطة والحكم، ومع أن التجربة العربية ثرية بنماذج حكم مستقرة وتنموية عبر التاريخ، إلا أن هناك من نجح في جعل فكرة السلطة أهم بكثير من فكرة التنمية مع أن الثانية هي ما تؤدي إلى نتيجة حاسمة لتحقيق الأولي.
لقد كان النموذج العربي عبر التاريخ نموذج استقرار، ولكن مع دخول القرن العشرين تغير هذا المفهوم، ومع مرور عقدين من القرن الحادي والعشرين تبنت بعض الدول العربية وخاصة الخليجية مفهوما أكثر وعيا في حركة الإصلاح السياسي العربي، دول الخليج هي النموذج الوحيد المتاح لبناء عوامل فعلية ونماذج يمكن تقليدها عربيا، المشروعات السياسية في المنطقة الخليجية على وجه الخصوص مشروعات تنموية اقتصادية منفتحة على المجتمعات والثقافات والعالم بلا تردد، حيث أصبح من الممكن الحديث عن عوامل فاعلة لنجاح المشروعات السياسية، لقد أثبتت دول الخليج أن فكرة السلطة والحكم كما يصورها الفكر الغربي عن المنطقة غير صحيحة حيث إن التوافق السياسي بين منظومات الحكم والشعوب في المنطقة أثبت متانة إلى درجة لم تكن متصورة عند أولئك الذين ينتقدون النظام السياسي في المنطقة ويبشرون حولها بشكل سلبي.
النموذج الخليجي وهو النموذج الوحيد المؤهل لقيادة الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج بقيادة السعودية، وقد كان أهم عوامل النجاح لحركة الإصلاح في هذه المنطقة معتمدا على أهمية إسقاط الأيديولوجيات ذات الطابع الثقافي والاجتماعي، لأن مثل هذه الأيديولوجيات تساهم في تقييد فكرة التحرك نحو صناعة التنمية، ولعل من المهم الإشارة إلى درجة التحول الفارق في العقلية الخليجية من حيث استيعاب التحول والتغيير والتماهي معه بشكل إيجابي.
الجميع يشعر بنمو الشخصية الخليجية بطريقة مختلفة وقدرة الدول الخليجية على صناعة عوامل النجاح لحركة إصلاح تنموي مبهرة، فقد أصبحت الحياة وجودتها مسارا مستهدفا من العقلية الخليجة، وأصبح الخليجي يمتلك القدرة على التحرر من القيود الثقيلة التي كبلته تحت مفاهيم وأيديولجيات أثبتت أنها خاطئة، لقد أصبح من المؤكد اليوم أن عوامل النجاح لحركة الإصلاح السياسي التنموي في العالم العربي كلها متوفرة في النماذج السياسية الخليجية القائمة، وعلى الدول العربية العمل بعمق لفهم الرؤية الخليجية في الإصلاح السياسي العربي.




http://www.alriyadh.com/1967657]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]