تدرك السعودية بشكل متعمق أكثر من أي وقت مضى أهمية وضع السياسات الحكومية الشاملة للتعامل اقتصاديًا وبيئيًا مع التغيّرات المناخية المتسارعة، لذلك نجدها تتعامل مع "الاقتصاد الأخضر" ليس كمفهوم عابر، بل بكونه العمود الفقري المستقبلي لتحقيق التنمية المستدامة..
قبل التوسع في التفاصيل، من المهم العودة بالذاكرة إلى الوراء قليلًا، وتحديدًا في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2021، عندما أعلن حينها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على هامش النسخة الأولى للمنتدى السنوي لمبادرة السعودية الخضراء، عن تخصيص الحكومة السعودية استثمارات بقيمة تزيد على 700 مليار ريال من أجل تنمية "الاقتصاد الأخضر"، وتوفير فرص عمل وفرص استثمارات ضخمة للقطاع الخاص ضمن رؤية 2030.
التوجه السعودي نحو اقتصاد أكثر اخضرارًا كان أحد الملامح الرئيسة التي استند عليها فريق خبراء المجلس التنفيذي التابع لصندوق النقد الدولي في تقرير مشاورات المادة 4 للعام 2022 عن المملكة العربية السعودية، بل وعدّها بكل ثقة من المحاور الإصلاحية التحسينية لهيكلية اقتصادنا الوطني، مرحبين بالتفعيل البرامجي لمبادرة "السعودية الخضراء"، التي تتمحور حول ثلاثة أهداف رئيسة، مدعومة بما يزيد على 30 مبادرة، وتتضمن هذه الأهداف الطموحة إنتاج 27,3 غيغا وات من الطاقة المتجددة بحلول العام 2025، و57,8 غيغا وات بحلول 2030 (تم إنتاج 0,3 غيغا وات حتى 2020)، والوصول إلى الريادة العالمية في مجال توليد الهيدروجين.
من محفزات "الاقتصاد الأخضر" السعودي طموح بلادنا إلى إنتاج 4 ملايين طن سنويًا بحلول العام 2030، ومن المستهدف أيضا زيادة نصيب الطاقة المتجددة من مزيج الطاقة المستخدم لتوليد الكهرباء إلى 50 %، والاعتماد على الغاز الطبيعي في توليد النسبة المتبقية.
في نوفمبر الماضي (2021)، قامت المملكة بتحديث مساهماتها المحددة وطنيًا في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ؛ لتخفيض الانبعاثات الكربونية بما يعادل 278 مليون طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون من خلال احتجازها والتخلص منها، وذلك بناء على "سيناريو أساسي ديناميكي"، وليس ذاك فحسب بل تعمل جديًا للوصول بصافي انبعاثات غاز الدفيئة إلى مستوى الصفر بحلول العام 2060 عبر تطبيق نهج "اقتصاد الكربون الدائري".
من المهم وعيه أن نهج الحكومة السعودية في "الاقتصاد الأخضر" استمر في التزاماته الإطارية من خلال الانضمام إلى التعهد العالمي بشأن الميثان؛ بهدف تخفيض انبعاثات الميثان بنسبة 30 %بحلول العام 2030، كما تسعى في الوقت الحالي إلى التعجيل بطرح المركبات الكهربائية من خلال ملكية صندوق الاستثمارات العامة لشركة لوسيد موتورز للمركبات الكهربائية، حيث طلبت من الشركة توفير 100 ألف مركبة كهربائية خلال الأعوام العشرة القادمة، ومن المقرر أن تنتهي الشركة من إنشاء مصنعها في السعودية بحلول العام 2025 أو 2026 بطاقة إنتاجية تصل إلى 150 ألف مركبة كهربائية، سيكون نسبة التصدير من الإنتاج حينها 85 % تقريبًا، لذلك يحرص صناع القرار في المملكة في هذا الشأن - بحسب تقرير المجلس التنفيذي للصندوق - في البحث عن مجموعة من الحلول الأخرى في مجال النقل المستدام، حيث تم توقيع ثماني مذكرات تفاهم مع عدد من الجهات المنوطة بتنفيذ مشروعات تجريبية في مجال تطبيقات النقل القائمة على استخدام الهيدروجين والإنتاج المستدام لوقود الطائرات.
نعم.. تدرك السعودية بشكل متعمق أكثر من أي وقت مضى أهمية وضع السياسات الحكومية الشاملة للتعامل اقتصاديًا وبيئيًا مع التغيّرات المناخية المتسارعة، لذلك نجدها تتعامل مع "الاقتصاد الأخضر" ليس كمفهوم عابر، بل بكونه العمود الفقري المستقبلي لتحقيق التنمية المستدامة بكل تفاصيلها ومرتكزاتها، وهو ما يتقاطع مع رؤية البنـك الدولـي الذي يعتبر "الاقتصاد الأخضر" الأسلوب الأكثر ملاءمة للتنمية المســتدامة؛ لتصديه للتحديـات التنمويـة، من خلال ضمـان اسـتمرار توليـد الثـروات الطبيعيـة، وتحفيـز الاستثمارات والابتكار بالصــورة الداعمــة الفـرص الاقتصادية الجديـدة، واعتبار أن النمـو الأخضر والوظائــف الخضــراء هما الخيــار المســتقبلي للنمــو الاقتصادي.. دمتم بخير.




http://www.alriyadh.com/1967658]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]