الاغتراب ظاهرة نفسية واجتماعية في آن واحد، وهي ليست مقتصرة على الجانب التنظيمي والإداري فحسب؛ كون الاغتراب يُعبر عن حالة نفسية تعتري الإنسان جرّاء عدد من الظواهر أو القضايا أو الأحداث والمشكلات التي تطفو على أسطح البيئة المحيطة به والمجتمع الملازم له.
مفهوم الاغتراب الوظيفي (Work Alienation) وكذلك مفهوم (الاغتراب التنظيمي)؛ كلا المفهومين صحيح وهي رائجة في البحوث والدراسات العلمية الإدارية، ومن منظور سلوكي؛ يُشير الاغتراب إلى: شُعور الفرد بانفصال ذاته عن البيئة الاجتماعية المحيطة به. في حين أن الاغتراب الوظيفي يشير إلى: اختلاف شعور الفرد العامل، عن باقي الأفكار والمشاعر النابعة من الأفراد العاملين الآخرين المحيطين به في بيئة العمل، وذلك نظراً إلى اختلاف نظرته وفكره ورؤاه، عن الأفكار والقيم (الاجتماعية أو الخلقية أو الاقتصادية أو غيرها من القيم المهنيّة)، التي يلتزم بها باقي أفراد المجتمع الوظيفي.
مشكلة الاغتراب لدى أفراد المجتمع الوظيفي قد تنحصر في عدة دوائر مهنية ووظيفية، فتؤدي بطبيعة الحال إلى حدوث وتفاقم هذه المشكلة، وصعوبة السيطرة عليها من قبل الإدارة العليا وباقي الإدارات المعنيّة، ومن جملة الأسباب؛ قلة الرواتب والأجور، والحوافز المالية وكذلك الدوافع المعنوية للعمل. وكذلك عدم تقديم المساعدة بين أفراد المجتمع الوظيفي، وأنانية بعض الموظفين في نقل الخبرات وتقاسم المعارف، لأسباب متعددة؛ جميعها تنصب في بوتقة الدائرة النفسية والسلوكية. ومن الأسباب كذلك عدم السيطرة على مشكلات سوء الفهم بين فِرق وجماعات العمل، سيما في البيئة ذات التنوع الثقافي والعرقي والنوع الاجتماعي.
ومن العوامل المسببة للاغتراب؛ ممارسة بعض السلوكيات الخاطئة وغير الأخلاقية من قبل الأفراد، بما فيهم الإدارة العليا ورؤساء الأقسام والوحدات الإشرافية، مثل: الغش والكذب، وخيانة الأمانة بصورها المتعددة، وعدم الاحترام (المباشر وغير المباشر) للمرؤوسين. ومنها إجبار وقسْر بعض الأفراد العاملين على العمل في أقسام ووحدات إدارية، لا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب، بطبيعة مؤهلات ومهارات أولئك الأفراد، وذلك إما من باب التدوير الوظيفي مثلاً، أو لسد شواغر وظيفية مؤقته، أو غير ذلك ما سبق من الأسباب. وقمع أفكار المرؤوسين والحد من حرية التعبير عن آرائهم وأفكارهم المتعلقة بالعمل، وبالتالي عدم المشاركة في صنع القرارات.
لاحتواء هذه المشكلة والسيطرة عليها من قبل القادة وصُناع القرار في المنظمات وجهات العمل؛ لابد من مراجعة سياسة التعويضات والرواتب والأجور المالية والتحفيزات المعنوية، وباقي الامتيازات المعطاة للأفراد العاملين. وتشجيع وتخليق الأفكار والأجواء الإيجابية حول العمل والبيئة التنظيمية. دعم اللقاءات الرسمية وغير الرسمية، بين أطراف أعلى الهرم التنظيمي وأدناه، أي بين الإدارة العليا والرؤساء والمرؤوسين. تشجيع عملية التفاعل الاجتماعي والتي تعني اللقاءات غير الرسمية بين المجتمع الوظيفي في بيئة العمل. وضع الموظف المناسب في المكان المناسب، وذلك استناداً إلى اختصاصه ومؤهلاته العلمية، وجدارته وخبراته العملية.
حدوث مشكلة (الاغتراب الوظيفي)؛ سوف يؤثر بصورة سلبية في إنتاجية القوى العاملة والموارد البشرية؛ وذلك بفعل عُزلتهم أو انطوائهم عن باقي أفراد المجتمع الوظيفي، فضلاً عن المشاعر السلبية والقوى النفسية الباطنة لديهم، والتي لا تُرى بالبصر والعين المجردة، كما أن الحالات المتكررة للاغتراب الوظيفي في نفس الجهة أو المنظمة أو نفس القسم أو الوحدة الإدارية؛ سوف تؤدي بنسبة احتمالية كبيرة إلى انتقال هذه المشكلة إلى باقي الأفراد من الموظفين (ولا سيما أولئك الذين يتشابهون في الظروف والمشكلات التي تواجههم في بيئة التنظيم)؛ مما يؤدي بشكل تلقائي إلى تفشي هذه المشكلة، وبالتالي تفاقمها كمُعضلة في المؤسسات والمنظمات.
http://www.alriyadh.com/1970763]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]