الصدق والتبيين حين يدخلان في التجارة تكون النتيجة، هي الثقة والرغبة في الشراء والمعاملة، وبالتالي زيادة في المبيعات، وإقبال على الشراء، حتى يجد التاجر الصادق أن بضاعته تبيع نفسها بنفسها، وتجد أمواله تكثر بغير عناء، وما ذاك إلا لصدقه وجودة ما يتاجر به..
الكسب الحلال لا يقتصر على التجارة، ولكنها من أوسع وأبرك أبوابه، وقد جعلها بعض من تكلم في المفاضلة بينها وبين غيرها هي الأفضل، لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلـم تاجَر وباع واشترى، وكانت عمل المهاجرين، ودرج عليها خيرة الصحب والتابعين، وعلى كّلٍ فليس الحديث هنا عن مجرد التجارة، ولكن عن البركة في تطورها ودقتها وتقنياتها في العصر الحديث، وكيف للتاجر المسلم أن لا يغفل عن حرصه على استصحاب ما يوجب "البركة" في تجارته، لأن بعض الناس قد يظن الحديث عن البركة انتهى بانتهاء التجارة التقليدية، وليس الأمر كذلك، فقد دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلـم لأمته بالبركة في مواضع وأوقات، وفي أحوال وصفات، فالأمانة والصدق والنصح والتبيين والدقة والإحسان في التجارة لا يستغنى عنها مهما تطورت ودقّت التقنيات الحديثة في التصنيع والترويج والعرض والطلب، وقد تفطنت الدول والشركات التجارية والمصنعة العملاقة لهذا من قديم، فحرصت على تسويق تجارتها، مصاحبة زرع الثقة في نفوس عملائها، وكسب ثقتهم، فكان "كسب الثقة" هو المأمول والمقصود من كل ترويج وإعلان، وهذه المعاني تجتمع وبأقل كلفة، في أصغر تاجر مسلم جعل "تقوى الله والتماس البركة نصب عينيه" ولا تعارض بين هذا وبين تعلم التجارة الحديثة ودراسة أبوابها وحساباتها بتقنيات العصر، فهذا من تيسير الله، بل هذا من المواهب الربانية التي إن استغلت استغلالًا صحيحًا كانت بركة في الوقت وبركة في الكسب وبركة في الوسائل، وفي الحديث عن عروة البارقي، قال: أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ديناراً يشتري به أضحية، أو شاة فاشترى شاتين فباع إحداهما بدينار فأتاه بشاة ودينار فدعا له بالبركة في بيعه فكان لو اشترى تراباً لربح فيه.
وقد لا يلحظ الغافل خفايا توفيق الله في العمل والكسب، وربما يحسبها بحساب "قواعد بيانات" بعيدًا عن تلمس لطائف الله في خلقه، وفي الحديث الآخر: البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما. وهذا أشمل من التجارة الفردية، وأعم من المعاملة بين المسلم والمسلم، فالصدق والتبيين حين يدخلان في التجارة تكون النتيجة، هي الثقة والرغبة في الشراء والمعاملة، وبالتالي زيادة في المبيعات، وإقبال على الشراء، حتى يجد التاجر الصادق أن بضاعته تبيع نفسها بنفسها، وتجد أمواله تكثر بغير عناء، وما ذاك إلا لصدقه وجودة ما يتاجر به.
ومن سيرة المباركين لما قدم النبي صلى الله عليـه وآله وسلم المدينة مهاجرًا، آخى بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فعرض سعد على عبد الرحمن أن يناصفه أهله وماله فقال: إني أكثر الأنصار مالاً، فأقسم مالي نصفين! ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها! فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق. فدلوه على سوق بني قينقاع، فربح شيئًا من أقط وسمن، وتزوج امرأة من الأنصار، وجاء بعد أيام وعليه أثر صفرة، فقال له النبي: مهيم يا عبد الرحمن. يسأله عن أخباره، فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار. قال: فما سقت فيها؟. أي: كم دفعت مهرها؟. فقال: وزن نواة من ذهب. فقال النبي صلى الله عليـه وآله وسلم: أولِم ولو بشاة. فكان عبد الرحمن يقول: فلقد رأيتُني ولو رفَعتُ حَجَرًا رجَوتُ أن أُصيبَ تحته ذَهَبًا أو فِضّة. وهي قصة تبين النجاح والظفر السريع بالمأمول في مسلك التجارة حين يراعى فيها الارتباط بالتقوى والصدق قبل الارتباط بالعملاء. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1973921]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]