ما السر وراء نجاح أكبر الحملات التسويقية وأفضل المعلنين؟ ربما نستلهم الإجابة من قصة شركة متخصصة ببيع الأمشاط نشرت إعلاناً لتوظيف مدير لقسم التسويق، وبعد فرز المتقدمين، وفي المرحلة النهائية قرر رئيس الشركة إعطاء اختبار صعب للمرشحين الثلاثة النهائيين، تمثل في بيع أكبر عدد ممكن من الأمشاط للرهبان البوذيين الذي يشتهرون بأنهم يحلقون شعور رؤوسهم.
وبعد ثلاثة أيام اجتمع المتنافسون الثلاثة، وبدأ المرشح الأول بالقول بأنه تمكن من بيع مشط واحد فقط وذلك لأنه بعد فشله في بيع الأمشاط التقى في طريق عودته راهباً كان يحك رأسه فأقنعه أن استخدام المشط سيساعده على التخلص من مشكلة حك الرأس.
أما المرشح الثاني فكان سعيداً لأنه تمكن من بيع عشرين مشطاً بعد أن لاحظ أن زوار المعبد يدخلون ومنظر شعرهم غير مرتب بسبب قوة الريح، وبسبب ذلك استطاع إقناع رهبان المعبد بوضع عدد من الأمشاط أمام المدخل ليرتب الزوار منظرهم ويصففوا شعورهم قبل الدخول.
ونظر الجميع إلى المرشح الثالث الذي راح يحتفل بفوزه بالمنصب لأنه باع ألف مشط، ولما تساءل الجميع كيف نجح في ذلك؟ أجاب بأنه التقى كبير الرهبان وأقنعه بأنه سيكون رائعاً لو وزع المعبد على زواره أمشاطاً خشبية نقشت عليها تعاليم بوذا لتكون هديةً للزوار تربطهم بالتعاليم وتذكرهم بتجربة زيارتهم، وقدم البائع لكبير الرهبان نموذجاً لأحد هذه الأمشاط وقد نقشت عليها التعاليم، وأعجب كبير الرهبان بالفكرة وقرر شراء ألف مشط، وفوق ذلك، اكتشف الرهبان أن توزيع الأمشاط حفّز الزوار على تقديم هبات وتبرعات أكثر للمعبد مما شجع الرهبان على طلب كميات إضافية من الأمشاط.
وليس التسويق حكراً على بائعي الأمشاط، حيث يروى في العصر الأموي أن تاجراً من العراق قدم إلى المدينة ومعه مجموعة من الأقمشة والخمر (جمع خمار) ليبيعها، ولكن لم يستطع بيع الخمر ذات اللون الأسود والتي كانت تمثل نسبة غير بسيطة من بضاعته، اضطر البائع العراقي إلى الاستنجاد بصديقة الشاعر ربيعة بن عامر التميمي المعروف بمسكين الدارمي، والذي يعتبره البعض أول من استخدم الشعر لأغراض تسويق المنتجات، حيث كان من المعروف عنهم الزهد، وكتب أبياتاً غناها المغنون وانتشرت في المدينة، وهي:
قلْ للمَليحَةِ في الخِمارِ الأسودِ
ماذا فَعَلتِ بِزاهِدٍ مُتَعبِّدِ
قَد كان شَمَّرَ للصلاةِ إزارَهُ
حَتى قَعَدتِ لَه بِبابِ المَسجدِ
رُدِّي عَلَيهِ صَلاتَهُ وصيامَهُ
لا تَقتُليهِ بِحَقِّ دِينِ مُحَمَّدِ
ويقال إن التاجر لم يبقَ معه خمار أسود واحد بعد أن نجحت الخطة التسويقية بامتياز، وانتشر أن الشاعر الزاهد مسكين الدارمي ترك الزهد بسبب ذات الخمار الأسود.
وسواء في حالة مشط الراهب أو الخمار الأسود، فالقاسم المشترك أن البائع أو المسوق لم يركز على المنتج، بل ركز على السبب الرئيس والتجربة التي يمكن أن يعيشها المستهلك أو المشتري للمنتج. بكلمة أخرى، فالمسوق الذي باع الألف مشط أقنع كبير الرهبان بأن الأمشاط ستذكر الزوار بالتعاليم وتربطهم بالمعبد ولم يركز إطلاقاً على المشط، وفي حالة الخمار الأسود لم تشترِ النساء تلك الخمر السوداء لتغطية الرأس بل كنوع من الموضة والشعور بالتميز بلغة عصرنا الجاري.
وباختصار، عندما تبيع أو تسوّق، لا تركز على المنتج أو الخدمة بل على السبب الذي يدفع الناس للشراء، ويجب أن توضح ما التجربة التي سيعيشونها، وما الفرق الإيجابي أو المشكلة التي سيتم حلها إذا ما قرروا شراء ذلك المنتج.
وأختم بكلمات فيليب كوتنر: "يمكنك أن تتعلم التسويق في يوم، ولكن ستقضي حياتك كلها كي تتقنه".




http://www.alriyadh.com/1977211]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]