في السنوات الأخيرة بدأت ثقافة جديدة تطغى على بيئات العمل لدينا، خصوصاً الحكومي منها، إذ لم يعد هناك اعتراف بساعات عمل محددة أو اعتبار للفصل بين حياة الإنسان الخاصة وأوقات العمل، أصبح من الطبيعي أن يعود الموظف منهكاً إلى عائلته الساعة التاسعة أو العاشرة مساء بعد يوم طويل في المكتب، ناهيك عن اقتحام نهاية الأسبوع بطلب عاجل أو اجتماع طارئ.
ثقافة تمدد الوظيفة في جدول الإنسان وتربعها على قائمة أولوياته تتحول مع الوقت إلى أمر واقع يضطر أن يخضع له الجميع، لكنها ممارسة غير صحية ليس على الموظف فحسب، بل تؤثر بشكل سلبي على جودة المخرجات والإنتاجية كما أنها تؤدي في النهاية إلى احتراق وتعطيل كفاءات وعقول رائعة على المدى البعيد.
المشكلة أن جميع هذه الأعمال وأكثر قابلة للإنجاز خلال ساعات اليوم المبكرة والرسمية، وطلب المزيد من الموظف يعني أن هناك خللاً في المنظمة وأنها لا تعمل بكفاءة وفعالية ولا تخطط بشكل استراتيجي؛ إذ إن كثرة ساعات العمل لا تعني بالضرورة جودة المنجزات بل هي في الغالب علامة على ارتباك إداري.
هناك نوعية من الأعمال تتطلب التواجد بنظام الورديات على مدار الساعة وطبيعتها تحتم أحياناً رفع حالات التأهب مثل الجهات الصحية والأمنية، لكن المقلق أن ثقافة حرق الموظف وإدخاله في حالة طوارئ لا تنتهي أصبحت تمارس في جهات من المفترض أن يكون عملها استراتيجي ووفق خطط ومخرجات محددة.
في هارفرد بزنس ريفيو كتبت سارة غرين مقالاً بعنوان "نتائج الدراسات واضحة: ساعات العمل الطويلة تأتي بنتائج عكسية للأفراد والشركات"، ناقشت خلاله طغيان العمل على حياة الإنسان وعلى عكس ما يبدو، فإن العمل الكثير يأتي بنتائج سلبية ولا يعني بالضرورة كثرة الإنجاز. تقول سارة: "العديد من الدراسات التي أجراها المعهد الفنلندي للصحة المهنية وجدت أن الإرهاق والإجهاد الناتج عن ضغط العمل يمكن أن يؤدي إلى جميع أنواع المشاكل الصحية، بما في ذلك قلة النوم والاكتئاب والسكري وضعف الذاكرة وأمراض القلب. وهذه الأمراض كارثية على الفرد، لكنها أيضًا فظيعة بالنسبة للنتائج النهائية للمنظمات، حيث تظهر في صورة التغيب عن العمل والتسرب الوظيفي وارتفاع تكاليف التأمين الصحي وغيرها".
الكثير من الدول الصناعية الكبرى تنبهت للمشاكل التي يسببها غياب التوازن بين العمل والحياة، ووجدت أن ترجيح الكفة في صالح جودة الحياة ومنح الموظف وقتا أطول ليقضيه مع نفسه وعائلته وأصدقائه انعكس بشكل مبهر على إنتاجيته، ولذلك عمدت عدد من الدول إلى شكل أكثر حداثة في الروتين العملي، حيث عمدت دول إلى تقليص أيام العمل إلى أربعة، في حين اختصرت أخرى ساعات العمل إلى ست ووجدت أن ذلك انعكس بشكل إيجابي على الصحة النفسية للموظف وبالتالي ارتفعت جودة مخرجاته.
أعتقد أنه حان الوقت لدينا للالتفات لظاهرة الاحتراق الوظيفي الآخذة في التزايد؛ لنبدأ باحترام وقت الموظف والالتزام بجعل العمل في الساعات المخصصة له فقط، كما يجب أن نعيد النظر في أساليبنا الإدارية ومراجعة مدى فاعلية الإجراءات وليكن عملنا استراتيجيا وواضح الأهداف لنتمكن من إنجازه في وقته دون الاضطرار لجعل الموظفين في حالة تأهب دائمة، لأن ذلك سيؤدي لاهتراء القدرات البشرية ذات الكفاءة العالية؛ والتي تعد عامود الأساس لقيادة الرؤية.




http://www.alriyadh.com/1979064]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]