يلخص البعض فن الكتابة المسرحية في توافر البداية والنهاية والذروة وهذا بطبيعة الحال أمر ملزم بالنسبة للحدث مهما تنوعت مدارسه، لكن هنا أمور بين ثنيات الكتابة لا يتقنها سوى الكاتب الجيد وهو ذلك السحر المشروع في امتلاك ذهن المتلقي فلا نسمع (طقطقات) الكراسي التي إن سُمعت فإنها لا تدل على شيء سوى الملل والسقوط في فخ الإيقاع الهاوي إلى رؤوس المشاهدين وهذا أخطر ما في الأمر..
من خلال مشاهداتنا للعروض المسرحية في العديد من المهرجانات نلاحظ ذلك التضاؤل في فن الكتابة المسرحية، وذلك يرجع -ربما- إلى ثقافتنا السمعية والتربية على فن السرد ولذلك تأتي النصوص أغلبها تزخر بالحوار المنمق الخادع، فليس كل حوار تنطقه الشخصيات مهما بلغت شاعريته هو فن مسرحي على الإطلاق، لأن الكتابة المسرحية شديدة الصعوبة كمضغ الزلط في علميتها بحسب الشروط والقوانين التي تخضع لها.
ومن هنا نجد أن فن الرواية له الأثر الكبير على الكتابة المسرحية لدى الكثير من الكتاب، مما يضر بفاعلية خاصية (هنا والآن) والتي يتفرد بها المسرح فالرواية تعتمد على الفعل الماضي (كان كذا..) أما المسرح فهو (فعل يحدث الآن)؛ ومن أصعب تقنيات الكتابة المسرحية التي تواجه الكاتب هي (الحِيَّل) المسرحية والتي تعمل على عنصر التوتر وتوسيع نطاق أفق الانتظار. هذه الحيل هي التي يسخرها الكاتب لعنصر المفاجأة وعدم توقع الفعل اللاحق وهو ما يعبر عن مهارة الكاتب بشكل مؤكد؛ ذلك أن أهم عناصر الفرجة -أو قل التلقي- هي الدهشة والتي برع فيها الكتاب عصر النهضة من الفرنسيين مثل راسين وكورني والأسباني لوبديفيجا.
نحن نتلقى كل يوم كماً هائلاً من النصوص المسرحية وعليه يقول قائل: لا توجد لدينا أزمة نص! لكن الحقيقة تكمن في تقنيات الكتابة وحرفيتها بشكل عام.
قد يلخص البعض فن الكتابة المسرحية في توافر البداية والنهاية والذروة وهذا بطبيعة الحال أمر ملزم بالنسبة للحدث مهما تنوعت مدارسه، لكن هنا أمور بين ثنيات الكتابة لا يتقنها سوى الكاتب الجيد وهو ذلك السحر المشروع في امتلاك ذهن المتلقي فلا نسمع (طقطقات) الكراسي التي إن سُمعت فإنها لا تدل على شيء سوى الملل والسقوط في فخ الإيقاع الهاوي إلى رؤوس المشاهدين وهذا أخطر ما في الأمر.
دعونا ننظر في الوهلة الأولى إلى الحادثة وهي أولى اختراعات الكاتب وابتكاراته، إذ لابد أن يتناول حادثة لم يسبقه فيها أحد وهذا يعفيه من ذلك المسخ المتداول في الأفكار التي تدور بين الأعمال المسرحية وكأن الحادثة تعيد نفسها على صفحات النصوص المسرحية بلا ابتكار وهذا وارد بالفعل!.
إن أهم ما في التأليف كله هو بناء الحوادث وليست حوادث الإنسان ولكن حوادث الموضوع (الفعل) وحوادث الحياة التي من شأنها إذكاء شعلة الصراع.
يقال إن أرسطو اهتم بحوادث الشخصية وأغفل حوادث الفعل وقد لخص هذا الكاتب الإسباني (لوب دي فيجا) من كتاب القرن السادس عشر؛ فقال:
الفصل الأول لعرض الموضوع والفصل الثاني نسج لحمة الحوادث مما تجعل القارئ في منتصف الفصل الثالث لا يكاد يحرز النتيجة وعليه يخادع القراء فيفاجئهم دائما بغير ما ينتظرونه ومن ثم يحث أن شيئا من الأشياء التي هي أبعد تماما من الذي كان منتظرا ربما ترك لفهم القراء
لكن الكاتب ليسنج يقول وهو كاتب ألماني شهير:
إن أدق صور المحافظة مع القوانين لا يمكن أن ترجع أصغر غلطة في أي شخصية من الشخصيات. ويقول الكاتب الفرنسي كورني:
إن ما لا يرقى إليه الشك أن المسرحية أو العمل المسرحي له قوانينه منذ كان فنا من الفنون.
فماذا إذا هي هذه القوانين؟
كم يكتب أياً منهم قوانين للكتابة رغم وجود قوانين لكل نوع من أنواع الفنون كالرسم والموسيقي والشعر ...الخ ؟ لاشك أن عدم وجود قوانين للكتابة ضرب من ضروب اللا معقول.
هناك من قال إن قوانين الكتابة هي تركيب أجزاء مختلفة هي الموضوع والعقدة، والحوادث، والصراع، والتعقيدات، والمنظر اللازم، والجو، والحوار، والذروة. وقد صدرت كتب كثيرة في شرح وتفصيل هذه اللحظات في شرحها وتحليلها لكتاب المسرح.
ولذا كان لزاما على المؤلف أن يخرج من الحيرة في أمر العلاقة بين التعقيد والصراع والمزاج -أي الجو النفسي - فيصبح علي دراية بكل مبحث من هذه المباحث المتقاربة المتصلة بالتأليف والعمل المسرحي الطيب الذي ترفع صاحبه إلى مصاف الكاتب هي كتابتها؛ أنه يُفهم تمام الفهم من معني الموضوع؛ ولكنه يقع في حيص بيص حين يحاول تقديمه وإخضاعه للكتابة!
لقد جاء وليم آرثر بقول: إن الموضوع شيء ضروري في أول الأمر لكنه ينبغي أن يدفن في إطباق عميقة حتى لا يستطيع أحد أن يتكشف ونحن نقول إلا في النهاية وقبل استدال الستار.
وهذا رأي بريسفال وايلد. في أن حيوية الموضوع تسكن في المنظر بينما لا ينكر وايلد تلك والحيوية ومن هنا فهي ما تعطي البناء شيئا من حيويته.
إلا أن ما يهمنا هنا هو الأخذ بيد الكاتب المبتدئ وإنارة السبيل له؛ ومن ثمة تصبح قوة الربط المفقودة والواجب أن يكون ثمة شيء ما من التوتر، هذا التوتر وإحداثه شيء يخص التعقيد بطريقه لا يظهر فيها أن المؤلف يتعمد هذا ويحاول أن يشعرك به . وينبغي أن تكون ثمة قوة تتولى الربط بين جميع هذه الأجزاء بقوه تصدر عنها كل هذه الأشياء وتنمو منها بطريقة طبيعية كما تنمو أعضاء الجسم من الجسم.
هذا الغوص والتوَّحد مع الموضوع هو ما يتسرب إلى الوجدان والقبض على العاطفة وهو ما نفتقده في أغلب ما يقدم لنا من نصوص مسرحية حتى لكتاب كبار في هذا الوقت.!




http://www.alriyadh.com/1981984]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]