الواقع التواصلي يحبس البعض في ذوبانه بين الأنا وهو، وبين خصوصيته وعموميته، وبين كونه فرداً، ومرتبطاً بمجتمعه جعلته ينساق بلا وعي في متاهات التأرجح وعدم المسؤولية لدرجة أن الفرد لا يريد أن يتحمل عواقب أفعاله ومحتواه فيما يضعه في مثل هذه الوسائل..
من أنت في وسائل التواصل الاجتماعي؟ سؤال يميد بك نحو التأمل.. في ذاتك تفاصيل خفية لا تكتشفها إلا في زوايا مختلفة.. مكونات وعيك تبنى على فرز شخصيتك في المواقف المتنوعة وتصنيف خياراتك.. حياتك لك وحدك.. لكنها ستختلط عليك أحيانا.. لذا يجب أن يأخذنا الانتباه إلى ضرورة الفصل بين الحياة الشخصية الخاصة والاجتماعية العامة، ففي ذاتك وواقعك الفردي لك أن تفعل ماتشاء وتجده مشبعا لك.. فعندما تضع لك حسابا تواصليا فمجتمعك ومن حولك ليس له دخل فيه، أما حينما تقبل أن تكون حياتك الشخصية محتوى مشاعا في الفضاء الإلكتروني العمومي فأنت عرضة للحساب والمتابعة والنقد والمحاكمة من إشكالات مواقع التواصل أنها أذابت خاصية هذا الفصل المفترض بين الحياتين، وجعلتهما دربا واتجاها واحدًا باسم حرية الظهور، وبالتأمل قد لا نجد إلا تمردًا على الواقع الاجتماعي ومحاولة جادة في جعل الرغبات الفردية قاعدة اجتماعية، ولعل الهوى عند الإنسان هو السبب في تغذيتها وتفعيلها واقعيا.
الإنسان مرهون بميله للتحرر المطلق وعدم التقيد بمعايير يجدها ضاغطة ومانعة بعيدا عن الالتزام بما يتوجب عليه كما يقول سارتر الحرية تقتضي من الشخص المسؤولية الكاملة عن أفعاله وتحمل نتائجها، وأن يعلم يقينا أن هذا الطريق لن يكون إلا بمصاحبة انتباهه.
الواقع التواصلي يحبس البعض في ذوبانه بين الأنا وهو، وبين خصوصيته وعموميته، وبين كونه فرداً، ومرتبطاً بمجتمعه جعلته ينساق بلا وعي في متاهات التأرجح وعدم المسؤولية لدرجة أن الفرد لا يريد أن يتحمل عواقب أفعاله ومحتواه فيما يضعه في مثل هذه الوسائل.. الفرد اليوم يعاني من الأنساق الانفعالية التي تكرس ما بنفسه على غيره كي يتخلص من تأنيب الضمير، والأسوأ من ذلك أن يصل تمرده إلى حدود القيم الكبرى كالدين والوطن والأخلاق ويطرحها بأسلوب شعبوي عاطفي يبرز من خلاله ذاته العميقة خصوصا حين يجذب مايقدمه مجموعة من مستخدمين مماثلين في توجهاتهم، فيكون هذا المتمرد غير ثابت ولا متزن ويدخل مرحلة الانفعال لا الوجود أو تحقيق الذات وتكون رغبة تتجدد باستمرار دون مبرر، ويؤكدها سارتر أنها قادرة على الانتقال من حيز الفرد إلى الجماعة، مما يكبلها في ماهيتها ولا يحررها من رغباتها، فلا يصح وفق هذا المبدأ أن تكون قاعدة اجتماعية انتهى كلامه.
ويرى أرسطو أن الإنسان المثالي هو من يبحث عن الوسطية في كل الأمور، والوسطية ملزومة بالتزمين، كي تحققها لابد من النظر لأقصى اليمين وأقصى اليسار في زمانك ثم تتخذ موقفا وسطا بينهما، دون النظر إلى تاريخ الفعل أو القيمة التي تريد التوسط فيها، وهذا سيجعلك واقعيا منطقيا في مطالبتك لنفسك، ولن تكلف نفسك ما لا تطيق، مع ضرورة التأكيد على ألا تهتم برأي غيرك فيك مادمت واثقا من سلامة مقصدك وذاتك، وهذه الفكرة أو النصيحة من المعلم الفيلسوف عند تأملها كفيلة بأن تؤسس بعض الرضا والسعادة التي ينشدها الفرد، وتجعل منه بذرة صالحة لتأسيس المجتمع السوي بعد ذلك.. انتهى كلامه.
ويبقى القول: حياة كل فرد له وحده، وليست سقفا يستظل بها المجتمع لكن اجعلها بمسطرة الاتزان.




http://www.alriyadh.com/1983482]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]