كقضية وطن وليس مجرد مسألة رياضية، فإن الفوز التاريخي للمنتخب السعودي على نظيره الأرجنتيني في كأس العالم يعطي دروساً اقتصادية هائلة، والأهم أنه ينعش الآمال في إمكانية التحول الاقتصادي المنشود بنهاية العقد الحالي، ونعتقد أن هذا الانتصار المستحق، والذي يتزامن مع إطلاق العديد من الخطط الاقتصادية الضخمة سيكون مصدراً للإلهام، حيث يمكن للسعوديين محاكاة روح الانتصار في شتى القطاعات الاقتصادية، ومتابعة تنفيذ الإصلاحات بحماس، والتي توفر آلاف فرص العمل للشباب، ومنهم الذين تعلموا في أرقى الجامعات العالمية.
يمكن استخلاص أربعة دورس اقتصادية من انتصار الصقور الخضراء على منتخب يقوده ليونيل ميسي أفضل لاعب في العالم، الأول: إبراز نموذج التنمية السعودي القادم، حيث تسلط المنافسات الرياضية الراهنة في الدوحة الضوء على أهمية الاعتناء بعوامل السوق، ونبذ الاحتكارات المهيمنة، ودور رواد الأعمال في إحداث تحول جوهري من النموذج العتيق للاقتصاد الريعي، إلى اقتصاد قائم على المعرفة والإنتاج الصناعي، ونعتقد أن كرة القدم تمثل نموذجاً واضحاً على كيفية عمل آليات السوق كمصفاة لاكتشاف رواد الأعمال الموهوبين وتنمية مهاراتهم، وللمقارنة، وبلغة الاقتصاد، فإنه لكي تعمل الأسواق بشكل جيد، يجب أن تظل مفتوحة للجميع دون استثناء مما يوسع دائرة المنافسة، ونحن نرى كيف تمنى فرق الكرة بالهزائم حين تعجز عن إدارة مواردها البشرية، وبالمثل، فإن الاقتصادات التي تزدهر فيها الشركات الاحتكارية تفتقر إلى ديناميكية خلق الوظائف الجيدة.
والدرس الثاني: أهمية استقطاب المواهب، فقد استطاع المنتخب الوطني تجميع أفضل اللاعبين المحليين، دون أي محترفين في أوروبا، ومن حسن الحظ، فإن المملكة لم تعان مطلقاً من نزيف العقول وهجرة الكفاءات، شأن الكثير من بلدان الشرق الأوسط، لأنها استثمرت بكثافة في التعليم خاصة منذ إطلاق برامج الابتعاث الخارجي، وإذا كان الشباب المتميز يسافر عادة إلى أوروبا وأمريكا للبحث عن فرص وظيفية أفضل، فإن هذه الفرص موجودة بالفعل في الداخل السعودي، ولذلك، فإنه من الضروري الاقتداء بالمنتخب الوطني في تهيئة البيئة القادرة على اجتذاب المواهب، لأن الاستفادة منهم تساعد على زيادة الإنتاج والنمو الاقتصادي.
أما الدرس الثالث: فيتعلق بأهمية القائد، وقد جسد مدرب المنتخب الفرنسي هيرفي رينارد، هذه القيادة منذ توليه المسؤولية في يوليو 2019، ونجح بالفعل في صهر المواهب الفردية لكي تعمل داخل منظومة الفريق الجماعي، ولأن العادة جرت في الشرق الأوسط، على اختيار المديرين بشكل غير ملائم أو حتى لا يجري تمكينهم من ممارسة اختصاصاتهم، ولهذا، يتعين اختيارهم على أساس الجدارة والكفاءة، لا على أساس الواسطة والمحسوبية، وعلي المؤسسات أن تمنحهم حرية العمل والتصرف والاستقلالية في اتخاذ القرارات، وقد ثبت عبر العصور المختلفة أن إسناد الأمر إلى الأكفاء يسهم في تحقيق انتقال نوعي، ويضيف إلى زخم النمو.
والدرس الرابع والأخير من ملحمة الصقور الخضر، يتعلق بدور التحكيم الكفؤ المستقل والعادل، وفي الاقتصاد، فإن الحكام هم الجهات التنظيمية المحايدة والشفافة التي يمكنها الإشراف على الأنشطة التي تمارس بكل حرية ودون احتكار، وتضمن المنافسة العادلة، ويمكن للتكنولوجيا أن تفعلها مثلما تفعلها تقنية الفار التي تتيح للحكم مراجعة اللعبة المثيرة للجدل لتقييم قراره الأولى، وتعني عملية المراجعة هذه أن الحكم ليس حاكماً بأمره أو سيد قراره بل إنه يخضع للمساءلة الفورية، والحال كذلك بالنسبة للقائمين على الجهاز التنظيمي، إذ يجب أن يتحلوا بالحياد والشفافية، ما يجعلهم عرضة للمساءلة، ونعتقد أن المملكة باتجاه تحول جوهري للاقتصاد، مقتدية بفريقها البطل، فهو أحد مصادر الإلهام.




http://www.alriyadh.com/1984268]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]