شاع في الوسط الرياضي مصطلح (الروح الرياضية)، ويعرف بالإنجليزية بـ(Sportsmanship)، أو (sportspersonship)، إذ يشير إلى مبادئ خلاقة ومتنوعة، كالتعاون، والطموح، والاحترام، والتقدير، والتقبّل أي تقبّل الهزيمة عند حدوثها، والرضا بأدبيات المنافسة، وعدم الاستعلاء على الآخرين أو الحط منهم أو التقليل من شأنهم، وإبداء مظاهر الفرح والتفوق بشكل إيجابي لا يفقد المنتصر لذته وفرحته، ولا يشعر الخاسر بحسرته أو ندامته، وقد نشأت مصطلحات أخرى اندرجت تحت هذا المصطلح العام، كمصطلح (الخاسر السيئ sore loser) الذي يشير إلى الشخص الذي لا يتقبّل الخسارة بصدرٍ رحب، ومثله مصطلح (الرياضي الجيد good sport) الذي يرمز إلى من يتقبّل هزائمه بروح المنتصر، بمعنى أنه كما ينبغي عليك أن تكون (فائزًا جيدًا)، عليك أن تتقبل بأن تكون (خاسرًا جيدًا) كذلك، وأن لا تتحول إلى (فائز سيئ)، أو (خاسر سيئ).
ولئن كانت الروح الرياضية باباً يفضي إلى بعض الخصال الطيبة، كالإنصاف، وضبط النفس، والتحمّل، والثبات، والمثابرة، والاحترام، والعمل الجاد، والأداء النظيف، والتعامل مع الآخرين بروح جميلة؛ فإن تلك الخصال المحمودة قد تلتقي مع كثير من الصفات التي ينبغي أن يلتزمها الإنسان في سائر شؤونه، وبخاصة تلك التي تنبع من روح المنافسة مع الآخرين في ميادين النجاح، والتفوق؛ ولهذا قد نشعر بتلك الروح في مواطن أخرى غير الرياضة، كالبحث العلمي النابع من بيئة أكاديمية مثلاً، فإن البحث العلمي مجال تنافسي يدخله الصالح وغيره، لكن من يبدع فيه قلة قليلة، هؤلاء القلة هم أولئك الذين يتسمون بالروح الأكاديمية على غرار الروح الرياضية.
إننا عندما نبدع بحثاً علمياً متماسكاً، ونقدمه إلى جهات النشر المختلفة، سواء أكانت دار نشر، أم مؤتمر، أم مجلة علمية، أم ما شابه ذلك، فإننا سوف نواجه طريقين: إما قبول البحث، أو رفضه، وعندئذ تظهر الروح الأكاديمية التي ينبغي أن يتحلّى بها الباحث الجاد، فقبول البحث لا يعني دائماً أن ذلك الباحث هو الأميز والأجدر، كما أن رفض البحث، أو الاعتذار عنه ليس بالضرورة أن يكون دليلاً على سوء الباحث، أو تدني مستوى البحث، وهنا تتجلى الروح الأكاديمية ما بين باحث جيد يتقبّل الرفض، والقبول، وباحث سيئ يستعلي فلا يرى في نفسه إلا القبول، ولا يؤمن بالرفض، أو الاعتذار، والحق أن هذا الشأن ملحوظ عند أكثر الأكاديميين؛ فقليل منهم الذي يتسم بروح أكاديمية تنشد التطور والتقدم، فترضى وتسلم، وكثير هم أولئك المتذمرون الساخطون الذين يتسامون عن النقد، وينقمون عليه، فيرون أنفسهم أنهم الأفضل دائماً، وأنهم فوق التقويم والتحكيم.
على أن النقد أو التحكيم الذي يخضع له البحث العلمي في أي مجال نشري، ربما كان غامضاً، أو خاطئاً، أو مجحفاً، أو غير علمي، أو غير منطقي، أو غير دقيق، ومع هذا كله فإن الباحث الجاد، كالرياضي الجاد، عليه أن يتسم بروحه الطيبة المعهودة، ويتقبل ما قد يأتيه من أشكال النقد والتحكيم، حتى وإن كان القرار غير صحيح، كما يفعل رجال التحكيم في مباريات كرة القدم، فإنهم ربما أخطؤوا في تقديرهم، أو جانبوا الصواب، وربما أضروا بآرائهم تلك، ولكن ليس على اللاعب سوى التسليم، ومحاولة الاستفادة من تجارب أخرى قادمة، وكذا الحال في شأن الأكاديمي الناجح؛ إذ ينبغي أن يكون ذا روح أكاديمية مُسَلِّمَاً، وَمُسَالماً، ومتقبّلاً.




http://www.alriyadh.com/1990170]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]