الهوية الوطنية من مثبتات أركان الحضارة، فالوطن منظومة تتشكل من أرض وقادة وذكريات وشعب وقيم ومبادئ، وذكرى يوم التأسيس فرصة لإبراز هوية هذه الدولة المباركة، ورفع شعارها، وفي الحفاوة بهذا اليوم تخليد لذلك الإنجاز الذي تحقق في مثله منذ ثلاثة قرون..
معرفة الإنسان بالماضي المجيد لوطنه، واعتزازه بالتاريخ الشامخ لبلاده رافدان يَسْتَمدُّ منهما القوةَ، ويَسْتلهم منهما العزمَ والإصرار على اجتياز العقبات، ويبعثانه على حب الوطن والولاء له والاستعداد لحمايته؛ وذلك لأن القيمة المعنوية أمر تراكميٌّ، وكلما ضربت بجذورها في التاريخ زادت أهميتها، وكانت أحْرَى بأن تبعث الخلف على حماية إرث السلف، وبناءً على هذا فمن الجدير بالمجتمع السعودي الاعتزاز بيوم التأسيس، وهو اليوم الذي شهد قيام الدولة السعودية الأولى، على يد الإمام محمد بن سعود في منتصف عام 1139هـ الموافق لشهر فبراير من عام 1727م، فهذا يوم غرس لنا فيه مجد تليد، وعز جديد، وقد صدر الأمر السامي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بالاحتفالِ بيوم التأسيس في الثاني والعشرين من شهر فبراير من كل عام، باسم يوم التأسيس، وجعلهِ إجازة رسمية، ولي مع ذكرى يوم التأسيس وقفات.
الأولى: أهمية تنصيب إمام وإقامة دولة، والتاريخ المرتبط بإنجاز هذا المهم تاريخ مَجيد، والدولة من أهم مقومات الحياة البشرية، فعيش الناس في ظل دولة قائمة تنظِّم شؤونهم هو السبيل الوحيد لحماية الضروريات الخمس، فالوازع السلطاني لا يمكن أن تتحقق للناس الضرورياتُ الخمس بدونه، أما الدين فلأن غياب الدولة أو ضعفها يشكلان فرصة للمضلين ليتلاعبوا بالدين خصوصاً في القرون المتأخرة التي استحدثت فيها البيعة المبتدعة لغرض ربط الأتباع بمن يظنونه مرشداً وهو في الحقيقة مستغلٌّ وذو مآرب شخصية تتعارض مع مصلحة كون حق التبعية والأمر والنهي مقصوراً على السلطان، وهذه البيعة كثرت عند متقمصي التصوف في القرون المتأخرة، وفي القرن العشرين دخلت على الخط الجماعات المتطرفة فانتهجت هذا النهج الخطير لإضعاف الدول، وقد قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن الله ليَزَعُ بالسُّلطانِ مَا لا يَزَعُ بِالْقُرآن" وأما بقية الضروريات من النفوس والأموال والعقول والأعراض فتَوَقُّفُ حمايتها على وجود الدولة القوية لا غبار عليه، فلا يعرف التاريخ أن تكون هذه المصالح محمِيَّةٌ إلا في ظل دولة مستقرة، فقيام الدولة إذا حصل على الوجه اللائق انتظمت للناس ضرورياتهم وحاجياتهم وكمالياتهم، والوازع السلطاني كفيلٌ برفع الظلم عن المظلوم، وكف الظالم عن ظلمه، ولولا لطف الله بالناس بوجود السلطان لاستمر ظلم الظلمة، ولأضر بالناس ظلمهم وحيفهم.
الثانية: أهمية تعزيز الهوية الوطنية والحرص على مكتسبات الوطن، أما الهوية الوطنية فهي من مثبتات أركان الحضارة، فالوطن منظومة تتشكل من أرض وقادة وذكريات وشعب وقيم ومبادئ، وذكرى يوم التأسيس فرصة لإبراز هوية هذه الدولة المباركة، ورفع شعارها، وفي الحفاوة بهذا اليوم تخليد لذلك الإنجاز الذي تحقق في مثله منذ ثلاثة قرون، وكان له بفضل الله تعالى أحسن الأثر على العباد والبلاد، ولا شك أن مواطني المملكة العربية السعودية يتقلبون في هذا الوقت في نعم عظيمة وآلاء عميمة نتجت عن جهود متواصلة من حكام هذه الدولة ابتداء من مؤسسها الأول إلى ملكنا وولي عهده اليوم، وأما الحرص على المحافظة على مكتسبات الوطن والإخلاص له وفداؤه بالنفس والنفيس، فالمجتمع المنعَم عليه إذا عرف تاريخ النعمة وأنها نعمة تالدة شامخة ثابتة الأركان اشتد حرصه عليها، وكان جديراً بأن يعتزَّ بها، لأنه إذا حافظ عليها اجتمع له المجد التليد والطارف، والمعرفة بتاريخ الدولة يستلزم حفاوة الشعب برموز الوطن وإنجازاتهم وذكريات نهضاتهم، وبخصائص الوطن وقيمه وتقاليده، والتنويه برجاله العظماء، ومن عادة العرب التنويه بهذه الأمور والاعتزاز بها، ولذلك روت لنا أشعارهم مواطنَهم وشخصياتهم وإنجازاتهم وقيمهم، وما زلنا نستلهم منها معانيَ النخوة والعزة والنبل.
الثالثة: استذكار أننا مديونون بالشكران والعرفان للمؤسس ومن جاء بعده من القائمين على هذه الدولة المباركة إلى يومنا هذا، أما المؤسس فقد زرعت يده الكريمة شجرة ميمونة نعمنا في ظلها وحظينا منها بأهنأ الثمار، وأما الذين خلفوه جيلاً بعد جيل فقد قاموا على هذا الغرس كل حسب جهده وطاقته حتى استوى على سوقه، وأهم نقطة في إنصاف من كفى الناس المؤونة وسعى لهم في جلب المصالح ودرء المفاسد أن يستحضروا الجهد الذي بذله، ولن يعرف ذلك إلا بمعرفة تاريخ وملابسات الانطلاقة وصعوبته، وكون الذي انتدب له أهلاً لأن ينوّه به، وقد منَّ الله على الناسِ بأن هيّأ بعضَ أفذاذهم للقيام بهذه المهمة الصعبة، ومن مظاهر التهيئة لها أن يخرج من ذرية البادئ بها أبناء أكفاء يتممون ما أسس آباؤهم، وكل هذه المقومات متحققة في يوم التأسيس وما ترتب عليه من الإنجازات التي نتفيأ ظلالها اليوم، ونرجو من الله أن تدوم علينا وعلى ذرياتنا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
http://www.alriyadh.com/1997865]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]