ظهر التفاعل الثقافي نتيجة الحاجة للنمو والتطور عبر الاطلاع على تجارب الآخرين، فكما أن الإنسان كائن مجبول بالفطرة على التواصل والتفاعل مع محيطه؛ فالتفاعل مظهر طبيعي من مظاهر الحياة، وشكل رئيس من أشكال التواصل بين مكوناتها..
الثقافة هي مجموعة من الخبرات والقواعد التي يتشارك بها مجموعة من الأفراد في مجتمعٍ معيّن، والتي تساعدهم على تشكيل طريقتهم الخاصة لفهم العالم، وتتضمن هذه المجموعات مكان ميلاد ونشأة الفرد بالإضافة إلى الأصل القومي، والعِرق، والطبقة، والدين، والجنس، كما يمكن أن تتضمن الخبرات التي تتعلّق بمجموعة معينة تمّ الانضمام لها، كاكتساب ثقافة جديدة مختلفة عن الثقافة الأصلية والتي تأتي من الانتقال إلى بلدٍ جديدٍ على سبيل المثال، وعند التوسُّع في مفهوم الثقافة يتبيّن أنّ لكل فرد العديد من الثقافات التي ينتمي لها في وقتٍ واحد.
ويُعدّ التفاعل الثقافيّ وليد الانفتاح الحاصل خلال العقود الأخيرة بين مختلف الدول والشعوب، ونظراً للتطورات الجذريّة في مجالات الاتصالات والعلوم والسياسيّة فلم تعد الشعوب منكفئة على نفسها، فهي اليوم تخرج من حدود ثقافتها الأصلية لتتشاركها مع الشعوب الأُخرى، وتؤثر وتتأثر، ومن خلاله استطاعت الشعوب أن ترى نفسها في عيون الشعوب الأُخرى، مما ساعدها على مراجعة موروثها الثقافي عبر مراحل زمنيّة، والمحافظة على أهم المظاهر الثقافية الإيجابية لديها، والتخلص من المظاهر التي تشكل عائقاً أمام نمو حضارتها الإنسانية وتقدمها الاقتصادي.
ويلعب التفاعل الثقافي دوراً مُهماً في توطيد التواصل والحوار بين الشعوب، الأمر الذي يُعزز قوة مبدأ السلم العالمي الذي تتوق لتحقيقه البشرية عبر العصور، فالشعوب التي تتحاور ثقافياً لن تلجأ إلى الحروب وافتعال الصراعات المسلحة؛ لأن لغة الحوار أشد تأثيراً ورُقياً من الفعل العسكري، ويبدأ عندما تُبدي الشعوب احترامها لثقافة الشعوب الأخرى ونمط حياتها ومعتقداتها، فالثقافة مفهوم شامل وجامع لكل شيء، بل تكاد تكون النافذة الأوحد والأوسع التي تتمكن الشعوب من خلالها من تحديد هويتها، وهي الوسيلة التي تسمح للتعرف على الثقافات الأُخرى.
يُعرَّف التفاعل الثقافي أو المثاقفة بأنه التأثير الثقافيّ المتبادل بين الأفراد والجماعات، نتيجة احتكاكها وتواصلها مع بعضها، فكل طرف لديه الكثير من المعارف حول علوم الحياة وشؤونها، وكل منهما يُطلع الآخر عليها بوسائل وطرق متعددة منها كالمهرجانات التي تُخصِص فقرات لفرق تُقدم عروضاً تراثية من خارج البلد، أو بعثات الطلبة التي تُرسلها الجامعات إلى بلدٍ آخر؛ ليتعايشوا فترة من الوقت مع شعب تلك البلد ويتعرفوا على وجهه الثقافي، ويقوم هذا التفاعل على أساس الأخذ والعطاء؛ أي أن الشعوب تُعطي ما لديها من نتاج فكري وحضاري وتقدمه للآخر على الملأ، فيتفاعل الطرف المُقابل بما عرفه عن الآخر ويتبناه ويجعله جُزءاً أصيلاً من ثقافته الأُم.
وظهر التفاعل الثقافي نتيجة الحاجة للنمو والتطور عبر الاطلاع على تجارب الآخرين، فكما أن الإنسان كائن مجبول بالفطرة على التواصل والتفاعل مع محيطه؛ فالتفاعل مظهر طبيعي من مظاهر الحياة، وشكل رئيس من أشكال التواصل بين مكوناتها. وحول التفاعل الثقافي بين الشعوب كتبت وشرحت أقلامٌ كثيرة؛ فها هو دومينيك مالي يُشبّهه بين دول المشرق والدول الغربية بحال الزوجين الذين يعيشان معاً دون أن يتفقا، ورغم معرفة كل منهما بالآخر، يستمران بالتخاصم، فيما يقول ابن خلدون: إن المجتمعات المختلفة ظلت في حاجة إلى التواصل، رغم وجودها وتشكلها؛ وذلك يتجسد عبر توثيق علاقاتها بغيرها من المجتمعات خِدمةً لمصالحها، ويضيف أن هذه المجتمعات أول ما لجأت إليه الاتصال مع المحيط الجغرافي المُجاور، ثم ابتكرت وسائل أُخرى للتواصل، وواظبت على تحسينها وتطويرها، وكانت النتيجة بالمُحصّلة الوصول إلى ظاهرة التفاعل الثقافي بين الشعوب والمجتمعات الإنسانية.
هناك بعض الأسباب والعوامل التي تعوّق التفاعل الثقافي بين الشعوب، وتجعل من أمر التأثر بينها محدوداً، بل يكاد يظل مركوناً لفترةٍ طويلة من الزمن، ومن تلك العوامل: وجود ثقافة غير قابلة للتطوّر، وغير مستعدة لفتح أبوابها أمام التواصل؛ فكيف لشعب يبحث عن التطور، أن يتفاعل مع ثقافة وقناعات تراوح مكانها، وخير مثال على ذلك الشعوب التي ما زالت مُصرّة على العيش البدائيّ، على الرغم من التطور الهائل الحاصل حولها، وقدرتها على الوصول إليه، ولا نقصد بالعيش البدائيّ هنا الحفاظ على بعض المظاهر الأصيلة من تراث الشعوب.
http://www.alriyadh.com/2000709]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]