ارتبط المفهوم العامّ للاستقرار السياسي في العصر الحديث بالقوة العسكريّة والاقتصاديّة، ولكن المعايير الصارمة لقياس الاستقرار السياسي للدول بحسب "Political stability index" لم تضع دولة واحدة من الدول الكبرى في قائمة الدول الخمسين الأولى في الاستقرار السياسي بما فيها الدول الخمس دائمة العضويّة في مجلس الأمن. وإذا كان المفهوم البسيط للاستقرار السياسي يعني قدرة النظام السياسي على الحفاظ على بيئة مستقرة تمكّن مواطنيها وأصحاب المال وكل ذي مصلحة من التنبؤ والاطمئنان للمستقبل فلا غرابة أن الدول الكبرى التي تقود العالم لا تتمتع بكل هذه المعايير بشكل كاف، ويتبنّى بعض علماء الاجتماع والسياسة حتى اليوم وجهة نظر أرسطو القائلة إن عدم الاستقرار السياسي هو بشكل عامّ نتيجة فشل قوى المجتمع في توزيع الثروة بالتوافق مع توزيع السلطة السياسيّة. ويردّد هؤلاء استنتاج أرسطو الأشهر بأن أكثر أنواع الأنظمة السياسيّة استقرارًا هي تلك التي تنجح في تعزيز وبناء طبقة وسطى كبيرة في الدولة، ويدلّلون بأحوال دول أوروبيّة كثيرة في هذا السياق.
وفي مراحل الصراع السياسي ما بعد الحرب الغربيّة الثانية تبنّى بعض الباحثين (بتأثير الأيديولوجيا ربما) النظريات الماركسيّة التي تقول بالحتميّة الاقتصاديّة التي تنظر إلى كل تغيير سياسي على أنه نتيجة لتغير عناصر الإنتاج في المجتمع كونه من يشكل نظامه الاقتصادي، والذي بدوره يحدد خصائصه الثقافيّة والسياسيّة، لاحقاً حوّل بعض أمناء مدرسة ماركس التركيز في الاستقرار (التغيير) السياسي من الحتميّة الاقتصاديّة إلى تركيز أكبر على تأثير الأيديولوجيا والثقافة، من جهة أخرى هناك باحثون معتبرون ما زالوا يركزون على دور النخب الحاكمة وتكوينها، ودور انفصال النخبة عن الجماهير وأنها سبب رئيس لعدم الاستقرار السياسي.
في العصر الحديث حدثت أشكال من التغيير السياسي (العنيف) المدعوم شعبياً بعد هزائم عسكريّة وانكسار الروح الوطنيّة لدى الناس، وهذه الحالة العامّة من قيادة الناس للعنف حدثت مع فرنسا 1871 بعد هزيمتها على يد الألمان والبروسيين، وثورات روسيا عامي 1905 و1917، وإطاحة هتلر بدستور فايمار في ألمانيا عام 1933.
والفاحص لحالة الاستقرار السياسي في عالم اليوم سيجد أن مؤشرات تدهور الاستقرار السياسي والاجتماعي ماثلة في أكثر من ثلثي دول العالم مع حالة عدم الاستقرار الاقتصادي المتمثلة في ارتفاع معدلات البطالة والتضخم والركود وتنامي الاضطرابات الاجتماعيّة، وإذا أضفنا إلى ذلك أحوال التوترات الجيوسياسيّة أو النزاعات الدوليّة أو تبادل العقوبات الاقتصاديّة بين دول كبرى فالحال لا يسر، وقد تضاف عوامل قديمة جديدة زادت معدلاتها في السنوات الأخيرة ورفعت منسوب حالة عدم الاستقرار العامّ في كثير من الدول، مثل: الحروب السيبرانية والأوبئة والزلازل والفيضانات والأعاصير التي ألقت حمول أزمات مضاعفة على كاهل حكومات منهكة في أساسها.
قال ومضى:
للحقيقة باب واحد وألف نافذة، فهل ستفتح الباب أم تغلق نافذة؟ هذا خيارك.
http://www.alriyadh.com/2001016]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]