يقدم المستعرب الياباني نوبواكي نوتوهارا في كتابه الصغير من حيث الحجم، والكبير من حيث القيمة والمحتوى (العرب وجهة نظر يابانية) خلاصة معايشته للعرب ودراسته للثقافة العربية طيلة أربعة عقود من الزمن، صورة للإنسان العربي ومجتمعه وخصائصه الثقافية والدينية الفريدة..
أحيانا نحتاج أن نرى ذواتنا بعيون الآخرين، وأن نقيمها من خلال منظورهم ومقاييسهم وزاوية تعاملهم مع الأمور، فمراجعة الذات ضرورية، ولا تكتمل إلا حينما نستطلع آراء الآخر، خاصة حينما تكون موضوعية بعيدة عن التحامل المبالغ فيه ومترفعة عن الانزلاق وراء زلات الانتقاص والاحتقار والدونية، وصورة الأنا في عيون الآخر مطلب في ذاته، ووسيلة لا بد منها لوضع اليد على مكامن النقص وجوانب القوة في الذات الفردية أو الشخصية الجماعية، وبالبناء على أحكامها ومواقفها يمكن إحداث التغيير المطلوب أو تعزيز الصفات الحميدة.
اعتدنا دائما على مقارنة مجتمعاتنا العربية باليابان، وكثيرا ما انبهرنا بخصال وأخلاق الإنسان الياباني وتفانيه في خدمة بلاده وتضحياته في سبيل رخائها ونمائها، وشدتنا معجزاتها الاقتصادية والتكنولوجية، وكيف استطاعت الانبعاث من ركام دمار الحرب العالمية الثانية كعملاق عالمي على الرغم من عدائية وفقر وسطها الطبيعي، ومن خلال عيون اليابانيين ومن منظورهم الخاص يقدم المستعرب الياباني نوبواكي نوتوهارا في كتابه الصغير من حيث الحجم، والكبير من حيث القيمة والمحتوى (العرب وجهة نظر يابانية) خلاصة معايشته للعرب ودراسته للثقافة العربية طيلة أربعة عقود من الزمن، صورة للإنسان العربي ومجتمعه وخصائصه الثقافية والدينية الفريدة.
فبين الاستحسان والاستهجان يعرض الكاتب من صميم معايشته لتفاصيل الحياة اليومية في بلاد العرب ومشاهدته للسلوكيات والمواقف. تراوحت بين الاستغراب والإعجاب، ولكن فاته الوقوع في فخ المقارنات بين خصائص المجتمع الياباني والمجتمعات العربية، وأسقطه في التعميم والتقريع المبالغ فيه لأسلوب حياة الإنسان العربي ونظرته إلى الدين وقيمه وأعرافه الاجتماعية خاصة مسائل الحلال والحرام والشرف التي يراها الكاتب مضخمة أكثر من اللازم، وغير واقعية.
ولكونه كذلك ناقد ومترجم فلا يخفي إعجابه الشديد بالثقافة العربية الحديثة، وإنتاجاتها الأدبية التي يصف بعضها بالعالمية والعميقة فلسفيا، غير أنه يصرح بممارسته للانتقائية فهو لا يختار للقارئ الياباني إلا الأعمال الهادفة المتضمنة لقيم ومبادئ ومواقف سياسية أو اجتماعية، وفي سياقات أخرى يعود للتأكيد مجددا على أن الأدب قبل أن يكون فنا ثقافيا فهو في الآن ذاته رسالة وقضية ومبادئ يعبر عنها الأديب، ويضمنها انشغالاته وهموم وطنه.
ولأن الكاتب مولع بكل ما يمت إلى ثقافة البدو ونمط عيشهم وفلسفة حياتهم يعترف بأن ما شده إلى ذلك ليس الغرابة، بل المعاني المستترة وراء الأشياء المجردة، فالصحراء لا تمثل وسطا طبيعيا موحشا، بل عالما يتحقق فيه وجود الإنسان كذات، ويعود فيها لطبيعته البسيطة النقية، ويشبع فيها حاجاته الروحية بعد أن يعزلها عن الماديات الزائفة، ويقر بأن أعمال الأديب الليبي إبراهيم الكوني كان لها فضل كبير في تعريفه بذلك وتقريبه من منظومة حضارية وثقافية أهملها الإنسان المعاصر. لذلك فهو يبدي إعجابا بنمط عيش الرحل في البوادي وهوامش الصحاري، ويصف بانبهار فلسفة حياتهم ومنظومة قيمهم المبنية على البساطة والتكافل والصبر وتحمل الشدائد، إذ يراها مثالية يتصالح فيها الإنسان مع ذاته، وينفذ معها إلى عوالمه الباطنية وتفاصيلها الخفية بعيدا عن تكلف الحياة العصرية وتعقيداتها.
وفي خاتمة الكتاب يقدم المؤلف دوافعه وراء إنجاز هذا العمل، حيث يزاوجها بين الرغبة في تعريف القارئ العربي بوجهة نظر إنسان أجنبي مولع بكل ما يمت بصلة للحضارة العربية، منظومتهم الثقافية وحول سلوكيات وذهنياتهم راجيا بذلك أن تكون دافعا إلى إعادة النظر في بعض جوانب القصور التي تخيم على الحياة اليومية العربية، خاصة مناخ التوتر والقمع والقهر التي يراها إحدى أبرز المعيقات التي تمنع الانطلاق إلى مستقبل مشرق.




http://www.alriyadh.com/2004931]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]