إن ما نسبته 51 % يتعرضون لما يعرف بالغيبــــوبة الجماعية، وينـــامون لساعات طويلة بعد الظهر الأول في العيد، ومن يقــــوم بهذا قد يصاب بتعكر المزاج والصداع وقلــــة النشاط، بالإضافة لآلام العضلات والمعدة وغيرها، وحتى مواصلة الليل بالنهار لتعـــديل البرنامج لن تؤدي الغرض..
لم يتبقَّ لعيد الفطر إلا يوم أو يومان، والأمر مرهون بإثبات رؤية الهلال، مع أني ما زلت متعجباً من الإصرار على رؤيته بالعين المجردة، لأن الأحاديث النبوية لم تحدد طريقة الرؤية، وبالتالي فالاستعانة بالتقنية ليست مرفوضة، لولا العادة التي تحولت لعبادة، والدليل أن تقويم أم القرى الذي تأخذ به الدولة يعتمد على الحسابات والمراصد الفلكية، وتحديدها لمواعيد دخول وخروج الأشهر الهجرية، وبعض الدول تميل إلى مخالفة غيرها في موعد العيد، ولعله من باب المناكفة لا أكثر، أو ربما للتأكيد على استقـلال قرارها، رغم أنها بالمفهوم الجغرافي تتشارك مع من تخالفهم في خط زمني واحد.
الملـــمح الأبرز في هذه المناسبة الاحتفالية، هو ما اصطلح على تسميته بـ"غيبـوبة العيد" في الخليج والمملكة، أو الحالة التي تنتاب الناس بعد وجبة الغداء في ظهر أول أيام العيد، وتجبرهم على الاستسلام الجماعي للنوم الإجباري، وبعض المختصين، يرجع ذلك إلى عدم تعود الجسم على الأكل الدسم في نهار رمضان طوال شهر كامل، ما يعني أن ردة فعله منطقية ومقبولة علمياً، لأن الخلايا الهضمية خاملة وغير مستعدة، واستخدام عنصر المفاجأة معها يربكها ويخلط أوراقها.
يوجد أكثر من عشرين جين في جسم الإنسان لتحديد إيقاع الساعة البيولوجية، التي تختلف دورتها من شخص لآخر، وما بين الإنسان الصباحي والمسائي، فالنوع الثاني لا يستطيع الاستيقاظ صباحاً دون استخدام الساعة الاجتماعية أو المنبه، والأعجب أنهم أجروا تجربة على متطوعين في جامعة هارفارد الأميركية، وقاموا بعزلهم لأسابيع في غرف مظلمة، ولا توجد فيها ساعات أو أجهزة لمعرفة الوقت، ولاحظوا أنهم ومع عدم إحساسهم بالليل والنهار، استطاعت أجسامهم المحافظة على دورات ثابتة من النوم واليقظة والوظائف اليومية، وكانت مدتها 24 ساعة على وجه التقريب، وأساتذة الجامعات اليابانية توصلوا إلى نتيجة مقاربة في عام 1997، فقد ثبت لديهم بالدليل العلمي، حضور الساعة البيولوجبة على مستوى الخلية الإنسانية الواحـدة، وأنه بإمكانها العمل بدون ليل أو نهار، وتعديل نفسها بحسب العوامل المحيطة، كالحرارة والنشاط العقلي وكمية الدهون في الجسم.
الباحثون في جامعة شاريتيه الألمانية استثمروا الساعة البيولوجية علاجياً، بعدما تبين لهم أنها تعمل على إدارة العمليات (الفيزيولوجية) المرضية، وأسسو لعلم يدرس تعاطي الأدويـة بالتزامن مع توقيتات الســــاعة الحيوية للناس، لأن تأثيراتها تختلف باختلاف مواعيد تناولها خلال اليوم، واستخدموه في عـــــلاج التهاب المفاصل، وتم توظيف العـــــلاج الزمني بالأدوية في فرنسا لتحسن حياة مرضى السرطان، وحتى نفهم فإن أخذ الإسبرين مســــاء يخفض من احتمالية الإصـــابة بالجلطات، ولكنـــه لا يعطي المفعول نفسه في النهار، وترتفع معدلات التسمم بالجرعات المفرطة من الباراسيتمول في الليل مقـــارنة بالنهار.
الفكرة الأولية للساعة البيولوجية قعّدها الطبيب الألماني فيلهلم فليس، وذلك في بدايات القرن العشرين، فقد وجد أن الناس يدخلون في دورات من التعافي والمرض كل 23 يوماً، وفي دورات من التحسن والتدهور النفسي كل 28 يوماً، وفي دورات من النشاط العقلي كل 33 يوماً، وأن هذه الدورات الثلاث يمكنها التحكم في حظوظ الإنسان طوال حياته، وأسماها (البايو ريثمك)، وفي سبعينات القرن العشرين، تم إدخالها إلى عالم الاقتصاد الأوروبي والأميركي، وكذلك إلى المجال الرياضي عند اختيار تشكيلة المباراة أو توقيع العقود مع اللاعبين، وكانوا يحذرون من اتخاذ قرارات مصيرية في الأيام الحرجة، والتي يكون فيها منحنى دورة أو أكثر من الدورات السابقة في مستويات منخفضة، لأن نتائجها ستكون كارثية، وهناك مصادفات واقعية تؤكد ما يقولون، وتم ربط ذلك بتاريخ الميلاد، والمسألة نوقشت في إصدارات متوفرة على موقع (أمازون)، وفي المتاجر الإلكترونية تطبيق ذكي خاص بها، والأخير يمكن الشخص من معرفة إيقاعه البيولوجي بنفسه.
في عام 2021، أجريت دراسة على عيد الفطر وسلوكيات السعوديين فيه، واتضح أن غالبيتهم أو ما نسبته 46 % يحتفلـــــون بالعيـــــد في الصباح، وفي الســــابق إشارة إلى أنهم لم يغمضوا أعينهم في الليلة الماضية، علاوة على أن ما نسبته 51 % يتعرضون لما يعرف بالغيبــــوبة الجماعية، وينـــامون لساعات طويلة بعد الظهر الأول في العيد، ومن يقــــوم بهذا قد يصاب بتعكر المزاج والصداع وقلــــة النشاط، بالإضافة لآلام العضلات والمعدة وغيرها، وحتى مواصلة الليل بالنهار لتعـــديل البرنامج لن تؤدي الغرض، ومن يفعلها سينام على الأرجح لفترة لن تتجاوز ثلاثة ساعات، مهما كان مرهقاً، ما لم نقل بأن اليقظة لمدة طــويلة قد تسبب الوفاة، فالمتفق عليه بين خبراء النوم أن تعديل الساعة الحيوية أو البيولوجية يحتاج لتدرج، على اعتبار أن تقديم موعد النوم أصعب من تأخيره، والأفضل أن لا يزيد الخفض عن ساعة في كل يوم، وهم يرون في إجازة العيد، فرصة مناسبة لتغيير نمط الحياة الرمضاني، والرجوع إلى الروتين اليومي القديم قبل الشهر الفضيل.




http://www.alriyadh.com/2008549]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]