إن تنويع المملكة لسلة تحالفاتها والانضمام لبريكس، وبأسلوب شعرة معاوية التي لا تقطع ولا تصــــــل، سيؤثر إيجاباً في ميزان المنظمة الاقتصادي، وسيخدم مصـالحها بشكـل أفضل..
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قال في حوار سابق، إنه سيعمل على تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا جديدة، وهو كلام من الوزن الثقيل، بالنظر لصدوره من قيادة الدولة الأهم في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، وذلك على المستــــويات الاقتصادية والسياسية والدينيــــة، وقد تمت ترجمة هذا الكلام في التحركات السعودية الأخيرة، عندما قامت المملكة بإعادة العلاقات وتسوية الخلافات مع النظامين الإيراني والسوري، وقبله إعادة علاقاتها بالجار التركي، والتوصل لمصالحة خليجية كاملة في اتفاق العلا، والعمــــــل على خارطة طريق بين الفرقاء في ليبيا، وأعتقد أن اليمن يتجه إلى سيناريو مشابه، بالإضافة إلى المشاركة في رعاية الاتفاق الإطاري للسودان، ولولا التطورات غير المتوقعة لانفرجت الأمور، ولكنها الرغبة من بعض تجار الأزمات العربية، وحرصهم على استمرارها لأطول فترة ممكنة.
الذي قصده سمـو ولي العهــــد كان عميقــاً جداً وموضوعياً، وفيــــه قـــراءة متفحصة لتاريخ أوروبا نفسها، والتي خرجت منهكة تماماً من الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكان أمامها خياران، إما العودة إلى الخلاف والصراعـــات مع جيرانها في القارة العجوز، أو تقــــديم التنازلات والتعالي على الجــراح القديمة، وانحاز الأوروبيين إلى الخيار الثاني، وبدؤوا صفحة جديدة، من ملامحها المهمة، قيام اتحاد أوروبي متماسك وقوي، والتركير أكثر على الاقتصاد ورفاهية مواطني أوروبا، ما ساعدها على التعافي واستعادة الريادة في كل المجالات، ولكن ولأنها انشغلت مجدداً بالسياسة والصراعات، وبإنفاق المليارات على تسليح أوكرانيا في مواجهة روسيـــا، فالاحتمــــالات واردة بأن تتــراجع إلى المربع الأول نتيجة لتدهور اقتصاداتها، وبسبب الأحوال المعيشية الصعبة لمواطنيها.
صحيفة نيويورك تايمــــز الأميركية نشرت في مارس 1992، تســـريباً لمسودة أعدها البنتاغون في أميركا، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991، وجاء فيها ضرورة العمل على إجهاض محاولات ظهور منافس جـــديد يهدد أميركا، ســـواء في أراضي الاتحاد السوفيتي أو في غيرها، وأن ذلك يحتاج إلى منع القوى المعادية من الهيمنة على مناطق ذات موارد حيوية، وبصورة تمكنها من بناء قوة عالمية، في حالة خضوعها لسيطرة موحدة، وهذه المناطق تشمل أوروبا الغربية وشرق آسيا والاتحاد السوفيتي السابق وجنــــوب غرب آسيا، وما سبق يفسر استغــلال الورقة الإيرانية في الخليج، وتحريض الأوكران على الروس، والاستثــــمار في خلافات تـــــايوان مع الصين، وما يحدث من فتــــرة لأخرى بين الهند وباكستان، وبالتالي فالعداوات الأميركية واحدة من أوروبا وحتى آسيا.
إنفاق الأموال الضخمة على المشروعات السيــــاسية أصبــــح جزءاً من الماضي، والأولوية، في الوقت الحالي، للاقتصاد والتنمية البعيدتين عن الابتزاز والضغط السياسي، والحل الأنسب في الانتقال إلى مرحلة التحالفات الاقتصادية الدولية، والانضمام إلى منظمات من نوع بريكس، والتي بدأت كـــورقة بحثية نشرها البريطاني جيم أونيل، كبير الاقتصاديين في بنك غولدمان ساكس، في أواخر 2001، وتوقع فيها أن اقتصاديات دول البرازيل وروسيا والهـند والصين، سترتفع حصتها من النـــــاتج المحلي الإجمالي العالمي، خلال العشرة أعوام المقبلة أو في 2011. وفي أكتوبر 2003، نشر بنك غولدمان ساكس ورقة بحثية ثانية رفع فيها سقف توقعاته، وأشار إلى أن اقتصادات مجموعة بريكس ستتفوق في 2050 على مجموعة الدول السبع الكبرى، من حيث قيمة التداول بالدولار.
العجيب أن تسمية بريكس في التواريخ السابقة، لم تتجاوز حدود الورق والكتابة المتخصصة، ولم تكن موجودة على أرض الــــواقع، وأول قمة لقيادات بريكس الأربع عقدت في روسيا عام 2009، أو بعد ستة أعوام من تأسيسها المجازي بمعرفة غولدمان ساكس، وانضمت إليهم جنوب أفريقيا في 2011، ولم تنقطع اجتماعتها السنـــوية منذ 14 عاماً، وأهم قمم البريكس عقدت في نورتليزا البرازيلية، ومن مخرجاتها، إقامة أول بنك يمثل مجموعة بريكس، وهو بنك التنمية الجديد، وبميزانية قدرها خمسون مليار دولار، والبنك يمول مشروعات البنية التحتية في أماكن كثيرة حول العالم، ويقف كثقل موازٍ لمؤسسات خاضعة للسيطرة الغربية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، علاوة على صندوق آخر لاحتياطات الطوارئ بقيمة مئة مليار دولار، وبما يضمن توفير الدعم المالي لدول المنظمـــــة في الأزمات الاقتصادية، وفي يونيو 2022، ناقش قادة بريكس في الصيــــــن، إمكــــــانية تدشين عملة احتياطية دوليــــــة، لاستخـــدامها في تسوية المعــــــاملات الدولية، ما يعني أنها ستضع الدولار الأميركي على الرف، ومعها نظام مدفوعات دولي خاص بدول بريكس وحدها، ولا تصل إليه العقوبات الأميركية.
دول بريكس الخمس، تسيطر على ما نسبته 23 % من الاقتصاد العالمي، و18 % من تجارة السلع والخدمات في العالم، و25 % من الاستثمار الأجنبي، وقوتها الاقتصادية محل اعتبار وقيمة عالية في المجتمع الدولي، وأتصور أن تنويع المملكة لسلة تحالفاتها والانضمام لبريكس، وبأسلوب شعرة معاوية التي لا تقطع ولا تصــــــل، سيؤثر إيجاباً في ميزان المنظمة الاقتصادي، وسيخدم مصـالحها بشكـل أفضل، ويعطيها حرية أكبر في التحرر من قيود التحالفات الانتهازية وغير المجدية.




http://www.alriyadh.com/2009501]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]