أنه في الأزمات تظهر قوة الدول ومكانتها، وعمليات إجلاء رعايا الدول من السودان تعد تأكيداً صريحاً من المجتمع الدولي أن المملكة شريك موثوق ومتفرد.
وحتماً لن يتوقف الدور السعودي عند هذا، ولا تحتاج دوماً إلى التصريح بكل جهودها الإنسانية والخيرة، فالمعلن منها دوماً هو الجزء القليل من كثير من العطاء والبذل.
تبدو الأحداث الأخيرة في السودان، امتداد لقصة سودانية مستنسخة منها، وطور ثانٍ من أطوار الأولى، تعود أحداثها إلى قبل 180 سنة، عندما ولد شاب سوداني مغامر في إحدى ضواحي العاصمة السودانية الخرطوم، عدّ لاحقاً بطلاً قومياً، بدأ بزوغ نجم هذا الشاب بعد أحداث جنوبي السودان التي شكلت شخصيته وتوجهه لدارفور غرب السودان لتشكيل نواة قوة عسكرية من خلال تجنيده للشباب والقبائل تحت قيادته لإخضاع بقية السلاطين والممالك لسلطته وسيادته، وتوغل إلى مدينة على ضفاف بحيرة تشاد ليتخذها عاصمة لمملكته التي تقع عند تقاطع تشاد وأفريقيا الوسطى ونيجيريا والكاميرون، هذا النفوذ والظروف المحيطة ساهمت في تهيئة المجال للتدخل الفرنسي والأوروبي لمهاجمته وبسط نفوذهم وتمكنهم من القضاء عليه وعلى دولته، بعد مؤتمر برلين 1884 الذي أطلق العنان للقوى العظمى في تقسيم أفريقيا.
ما أشبه الليلة بالبارحة!
لطالما كانت قضايا الصراع والأمن في القارة الأفريقية محط اهتمام المجتمع الدولي، تاريخياً شهدت أفريقيا أشكالاً مختلفة من الصراعات، مثل: الحكم الاستعماري، والفصل العنصري، والحرب الأهلية، والإرهاب، والتي كان لها تأثير كبير على تنمية القارة الأفريقية. لذلك قضايا الصراع والأمن في أفريقيا لها أهمية كبيرة.
موقع القارة الأفريقية وأهميته يشير إلى أن القضايا الأمنية في أفريقيا لا تؤثر على تنمية أفريقيا فقط، بل لها تأثير عميق على المشهد السياسي الدولي، حيث تؤدي النزاعات والصراعات والقضايا الأمنية إلى خلق عوامل غير مستقرة للدول والمناطق المجاورة، وقد تؤدي إلى تدهور الوضع الأمني في البلدان والمناطق المجاورة، في الوقت نفسه لهذه الصراعات والمسائل الأمنية تأثير على الأنشطة الإرهابية، لميلهم إلى استغلال الثغرات الأمنية للقيام بأنشطتهم وعملياتهم الإرهابية.
إضافة لما لهذه النزاعات والقضايا الأمنية من تأثير على التعاون والتكامل الدولي وتعطيل التنمية، وأن العالم بأسره يجب أن يبذل قصارى جهده لأن يصبح السودان والقارة الأفريقية مسرحاً كبيراً للتعاون الدولي، وليس ساحة لتنافس القوى العظمى.
فالسودان دولة غنية بالموارد، خصبة بالتربة، من أغنى دول العالم طبيعياً ولديها نهر، ولديها إمكانيات تحتاج إلى تحريك، ولديها نفط، هذا الإهمال السياسي أسس لهذه التحركات والتدخلات الخطيرة.
في التاريخ الحديث، عرف السودان عدة ثورات منذ استقلاله عام 1956. ففي عام 1964، نمت احتجاجات طلابية في الجامعات سرعان ما شملت النقابات العمالية والمهنية، وانتقلت من الخرطوم إلى مدن أخرى حتى دخل السودان في إضراب عام اجتاح البلاد، قتل وقتها 34 متظاهراً وأرغم الحاكم العسكري للبلاد آنذاك الجنرال إبراهيم عبود على الاستقالة. وفي 6 إبريل 1985، أطاح الشعب السوداني بالرئيس جعفر النميري الذي حكم السودان 16 عاماً بعد استيلاء القوات المسلحة على الحكم يوم 25 مايو 1969.
في المقابل فإنّ الوضع الجيوسياسي يمر بتحولات ومليء بالمتغيرات، والصراعات الإقليمية قائمة على مفاهيم عفى عليها الزمن، وحتى لا تخرج عن مسارها يجب الالتزام بمفهوم الأمن المشترك والشامل، والتركيز على استقرار المنطقة على المدى الطويل وبناء إطار لآلية أمنية عربية متوازنة وفعالة ومستدامة، والإصرار على احترام سيادة وسلامة أراضي الدول وعدم التدخل بشؤونها الداخلية، والالتزام بمسار التنمية، مع تسهيل عودة اللاجئين وتأمين وصول المساعدات الإنسانية.
فضلاً عن ذلك العين السعودية التي تراقب الحدث، وتسعى لرأب الصدع، وتقوم فعلاً بواجبها تجاه المدنيين العالقين في مناطق الصراع، ويعنيها بكل تأكيد أولاً المواطن السعودي، ومن ثم كل من لجأ لها مستعيناً يريد الغوث والعون، فقدّمت خلال هذه الأزمة استنفاراً في قواتها البحرية وفي مؤسساتها الدبلوماسية والدفاعية والأمنية والصحية.. لتسيير رحلات إجلاء الرعايا من شتى البلدان العربية والعالمية، في دلالة مؤكدة
أنه في الأزمات تظهر قوة الدول ومكانتها، وعمليات إجلاء رعايا الدول من السودان تعد تأكيداً صريحاً من المجتمع الدولي أن المملكة شريك موثوق ومتفرد.
وحتماً لن يتوقف الدور السعودي عند هذا، ولا تحتاج دوماً إلى التصريح بكل جهودها الإنسانية والخيرة، فالمعلن منها دوماً هو الجزء القليل من كثير من العطاء والبذل.
نؤمن بأن هناك بعض الخلافات تطرأ بين الأقطار العربية، لكن الشيء الذي لا يختلف عليه العقلاء هو ضرورة التكامل والتعاون الأمني والعسكري المستديم.
http://www.alriyadh.com/2009606]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]