تقف المملكة كما هو ديدنها دائمًا على أخذ زمام المبادرة في العديد من المجالات الحيوية والإنسانية التي تهم البشرية جمعاء وتؤثر في سبل حياتهم ومعاشهم، ومن بين هذه المجالات تلك القضايا المتعلقة بالبيئة والتغيرات المناخية نتيجة لتسارع الوتيرة الصناعية والاقتصادية والعمرانية والسكانية، لذلك تسعى المملكة بجانب بلدان كثيرة من أجل الوصول لأهداف حـدّيَّـة صفرية تتحقق لكوكبنا الأرضي لتجعله خلوًا من كل الانبعاثات الكربونية وليكون صافيًا نقيًا صحيًا يمكن لكل الكائنات الحية من الحياة فيه والعيش في كنفه بعيدًا عن المكدرات والمنغصات المقلقة لحياة وادعة ومريحة وآمنة، ولعل أبرزها في وقتنا الحاضر لهو تزايد الأكاسيد الكربونية في طبقات الجو الناتج من تصاعد الغازات والأدخنة والأبخرة المنبعثة من مداخن المصانع ومحطات الكهرباء وعوادم المرْكبات، إضافة إلى وجود غازات أخرى لها نفس الخصائص تتصاعد تباعًا إلى الجو المحيط، ويسفر هذا التكوُّن والخليط عن إضرار بالبيئة المحيطة قد يؤدي إلى تدهورها والقضاء على عناصرها الطبيعية ومعالمها الجمالية بالإضافة إلى التغير في أحوال الطقس والمناخ وبشكل أكثر نحو تزايد درجات الحرارة وما يخلفه ذلك على حياة الإنسان الصحية والمعيشية والاقتصادية وعلى كافة مظاهر الحياة الطبيعية والنباتية والكائنات الحية. لذلك فإنه استشعارًا من المملكة بأهمية التكاتف والتآزر الإقليمي والدولي لتعزيز العمل المناخي العالمي وخفض الانبعاثات الكربونية، بما يسهم في تحسين جودة الحياة ويهييء بيئة أفضل للأجيال القادمة؛ فقد سعت جاهدة للحد من مسببات التغير المناخي، والوفاء بالتزامها بالمعايير والاتفاقيات الدولية في إطار البرامج الدولية المنبثقة عن المنظمات المتخصصة، ومنها على سبيل المثال اتفاقية باريس للتغير المناخي الرامية لتجنب التدخلات الخطيرة الناشئة عن أنشطة بشرية في النظام المناخي. ومن الحلول في هذه المجال التي رؤي أنها ستخفف من تلك الغازات الملوثة يكمن في تصنيع وإنتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر والأمونيا الزرقاء حيث ينظر إليهما باهتمام على نحو متزايد باعتبارهمها جزءًا أساسيًّا من معادلة تحول الطاقة لفصل الكربون عن القطاعات الأخرى الأكثر صعوبة، وإن كان المسار المحتمل لتطور هذان المنتجين قد ينطوي على العديد من أوجه الارتياب وعدم اليقين ولكن مع الزخم المتزايد لإنشاء سوق عالمية للهيدروجين والأمونيا تأتي الحاجة الملحة إلى فهم أعمق لآثارهما الاقتصادية الأوسع نطاقًا بما في ذلك الجوانب الجغرافية السياسية. لقد قامت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) بتحليل متعمق للجغرافيا السياسية للهيدروجين والأمونيا كجزء من عمل الاطار التعاوني حول الجيوسياسية لتحولات الطاقة، حيث يستند التقرير إلى العمل الكبير الذي تقوم به الوكالة في مجال الهيدروجين والأمونيا ويستفيد من طائفة واسعة من مدخلات الخبراء في مجالات الطاقة والجيوسياسية والاقتصادية، وسيكون تحديد الأولويات الصحيحة لاستخدام الهيدروجين والأمونيا أمرًا بالغ الأهمية لسرعة توسعهما ومساهمتهما البعيدة المدى والطويلة الأمد في جهود إزالة الكربون من الغلاف الجوي. وتُعرَّف الأمونيا الزرقاء كيميائيًا على أنها مركب يتألف من الهيدروجين والنيتروجين، ويمكنه أن يساهم في تلبية احتياجات الطاقة العالمية المتزايدة على نحو موثوق ومستدام وبتكلفة ميسرة، كما أنها تستخدم كمواد وسيطة لصنع الهيدروجين الأخضر وهو في الأساس هيدروجين ينتج من الوقود الأحفوري من خلال عملية تلتقط وتخزن ثاني أكسيد الكربون المنتج بدلًا من إطلاقه في الغلاف الجوي مما يكون سببًا في تلوثه، كما أنها تحتوي على نسبة من الهيدروجين مما يمنحها ميزة متفردة على الوقود الأحفوري (التقليدي)، فهي لا تطلق ثاني أكسيد الكربون عند احتراقها ما يجعلها آمنة بيئيًا. وبينما تتآزر وتتكاتف مختلف البلدان في كل أرجاء العالم وفي مقدمتها المملكة خلف أهداف صفرية حدِّيَّة صافية، فإن الهيدروجين والأمونيا ينظر إليهما على نحو متزايد على اعتبارهما جزءًا أساسيًّا من معادلة تحول الطاقة لفصل الكربون عن القطاعات الأخرى الأكثر صعوبة، وإن كان المسار المحتمل لتطور هاتين التقنيتين الجديدتين ينطوي على العديد من أوجه الشك وعدم اليقين لكن مع الزخم المتزايد لإنشاء سوق عالمية للهيدروجين والأمونيا تأتي الحاجة الملحة إلى فهم أعمق لآثارهما الأوسع نطاقًا بما في ذلك الجوانب الجغرافية السياسية الاقتصادية حيث سيصبحا مساهمًا فاعلاً في تحولات الطاقة النظيفة نظرًا لمزاياهما المتعددة وخصائصهما المتميزة ومنها خفة الوزن وقابلية التخزين وانعدام الانبعاثات الكربونية المباشرة أو الغازات الدفيئة جرَّاء احتراقهما، لذا تعتمد عليه وعلى نطاق واسع كثير من القطاعات الصناعية مثل تكرير النفط وإنتاج الميثانول والصلب، وهذا التحول إنما هو جزء من عمل الإطار التعاوني وإلى الجهود الكبيرة الذي تقوم به المملكة في مجال تصنيع الهيدروجين والأمونيا، وسيكون تحديد الأولويات الصحيحة والمسارات الآمنة لاستخدام الهيدروجين والأمونيا أمرًا بالغ الأهمية لسرعة توسعهما ومساهمتهما البعيدة المدى كأمل المستقبل في جهود إزالة الكربون من الغلاف الجوي والمحافظة على التوازن بين البيئة والاقتصاد.
جامعة الملك سعود *




http://www.alriyadh.com/2010744]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]