هل يمكن أن نبتدع منهجاً نقدياً كلما رأينا الحاجة تدعو إليه؟! هذا سؤال خفيف الحمل، ثقيل الإجابة، ولعل الذي دفعني إلى طرح هذا السؤال أنني رأيت أحد المهتمين في ميدان الأدب والنقد يدعو إلى التأسيس لمنهج نقدي يقيمه على أعتاب موضوع بلاغي، مع أن ذلك الموضوع داخل ضمن ما نادت به المناهج النقدية الجديدة، كالإنشائية، وغيرها، وهذا ما جعلني أقول في نفسي: إذا كان كل موضوع أدبي، أو بلاغي، أو نقدي، سيتحول إلى منهج، فإننا سنواجه أزمة مصطلحية، وفوضى منهجية، وسوف يضيع الأدب في دروب متفرقة، ومسالك لا تلوي على شيء، فلا يدري الباحث بعد ذلك أي طريق سلك؟! ولا أي جهة يقصد؟!
من هنا فإنني -أحياناً- لا ألوم الباحث حين يقع محتاراً بين مناهج نقدية لا تتناسب مع موضوعه، أو بمعنى أدق لا يستطيع السير في مهايعها، غير أن ذلك لا يسوّغ لكل باحث ابتداع منهج يناسبه إلا إذا توافرت له شروط التأسيس المنهجي وعناصره، ومع هذا فإن ذلك الباحث سيظل ضمن دائرة الأوائل الذين يطرقون الباب لأول مرة، وينتظرون الولوج معه، عندئذٍ قد يصل أولئك إلى تشكيل ملامح منهج نقدي جديد.
إننا قد نواجه أزمة ما عند مقاربتنا لموضوع يتطلب مسلكاً بحثياً معيّناً، أو اتجاهاً نقدياً محدداً، على سبيل المثال: قد نضطر إلى أن ندرس موضوعاً في الأدب من زاوية أخرى، غير تلك الزوايا المطروقة في المناهج النقدية، ولنقل مثلاً: دراسة الأثر الجغرافي، أو السياحي، أو الأثري، أو الفيزيائي، أو الطبي، أو الهندسي، أو البيني عموماً، فكيف السبيل إلى ذلك؟! هل ينتظر الأدباء والنقاد أن يطبّق متخصص في تلك المجالات نظرياته على الأدب وهو ليس من أهله؟! فأين أهل الأدب أنفسهم؟ وما موقفهم؟ هل ينظرون إلى موضوعاتهم وقضاياهم ومادتهم الأدبية نظرة المتفرج؟! وهل يتركون ظواهر أدبهم حبيسة مناهج محددة، فلا يتقدم الأدب ولا يتطور، ولا ينهض ولا يواكب؟!
أظن أن الأمر بحاجة إلى شيء من الاتزان والاعتدال؛ لهذا كان الأداء الأكثر منطقاً وقبولاً هو أن لا يقتحم الأديب، أو الناقد أسوار التخصصات الأخرى، بل يحاول أن يطلّ عليها، ويفيد منها، فيوظف ما يستطيع لخدمة أدبه ونقده، كلٌّ بحسب طاقته وثقافته.
الأمر نفسه ينخلع على (الإلكترونية) بوصفها مظهراً عصريّاً يدخل في كل قطاع ونطاق، وفي كل علم وميدان، وفي كل جانب ومجال؛ إذ تأثرت بها العلوم والمعارف أيما تأثير، وأخذت تنمو معها نمواً مذهلاً ومتسارعاً، ومع أن الأدب يبحث في المشاعر والجمال، والصيغ والخطابات، والصور والإيقاعات، والوسائط والأيقونات، فقد بدا متأثراً ببعض الألوان الإلكترونية المتجددة، ونشأ على إثر ذلك ظهور ما يعرف بالأدب الرقمي الذي هو كل أدب متأثر بالعالم الإلكتروني، والفضاء التكنولوجي، والتقانات المتجددة.
والحق أن الأدب الرقمي ما زال اليوم محدود النماذج، غير أنه قد يسلك مساراً نحو التشكّل والنضج مستقبلاً؛ ونظراً لأن الأدب والنقد يسيران عادةً في خطّين متوازيين فإن ملامح اتجاه نقدي (إلكتروني) جديد ربما تتوافق مع ذلك الأدب الرقمي؛ لذا نحن الآن في طور الاتجاه النقدي، وفي الطريق إلى اكتشاف معالم المنهج النقدي (الإلكتروني أو الرقمي) الذي قد تصبح الحاجة إليه أكثر طلباً في حال نشوء نماذج أدبية رقمية غزيرة مستقبلاً.




http://www.alriyadh.com/2010874]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]