عندما فاز برنامج (ديب بلو) على بطل العالم في الشطرنج جاري كاسبروف، كانت المرة الأولى التي يثبت فيها الذكاء الاصطناعي تفوقه على الذكاء الإنساني. مع الفوز الكبير، هل أدرك البرنامج أنه فاز في اللعبة؟ وهل أدرك حجم الفوز وأهميته؟ بل هل أدرك أنه كان يلعب الشطرنج أصلاً؟
في غمرة الحماس للذكاء الاصطناعي اليوم، إما معه أو ضده، طمعاً فيه أو خوفاً منه، يغيب عن الأذهان أهمية الوعي والإدراك في الحكم على منجزاته. يصف نك بستروم المستقبل بسوداوية في كتابه (الذكاء الخارق) في وقت يصل فيه الذكاء الاصطناعي إلى مستوى خارق يسيطر به على العالم ويدمره. طفح هذا التصور على السطح اليوم إعلامياً حتى بدأت شائعات المؤامرة تغلف كل خبر له علاقة، كاستقالة جيفري هينتن أحد أهم باحثي الذكاء الاصطناعي في غوغل.
الخطر الذي يحذر منه المختصون نابع من رؤية واضحة لقدرات التطبيقات الجديدة التي يمكن أن تستخدم للتضليل والخديعة، لكن قدرات التطبيقات هذه لها حدود لا يجب أن نغفلها إذا أردنا إدارتها بفاعلية. فإذا كانت تستطيع أن تصنع أخباراً مزيفة، فلن يكون ذلك بإرادة منها إنما سيكون وراءها من يوظف هذه القدرات لأهدافه. الخوف الذي عبر عنه الكثير، يوحي لنا أن هذه الأنظمة لها عقول خاصة بها تتصرف بإرادة مطلقة، إنما الحقيقة أنها قدرات خارقة وضعت تحت تصرف الإنسان الذي يملك حرية استخدامها في الوجه الذي يراه مناسباً.
وضع تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الواجهة، نوع من تبرئة الإنسان الذي لطالما وظف التقنية لتحقيق مصالحه. إذا كانت تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستسبب أضراراً للعالم، فلا يجب أن نعطي هذه التطبيقات أكبر من حجمها، إنما التهمة يجب أن توجه للإنسان، فهو المتهم الحقيقي والوحيد. فتطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تشعر بالغضب أو الحزن إنما الإنسان هو الذي يملك هذه المشاعر الذاتية، وهذه المشاعر هي مصدر الخطر الحقيقي. ربما يفتقد الإنسان لبعض المعارف الموضوعية أحياناً مثل مواقع النجوم وأسماء المناطق الذي يملكها الذكاء الاصطناعي، لكن ما قيمة هذه المعارف دون الوعي بها ذاتياً؟
دون أن يكون للمعارف الموضوعية ارتباط بالمعارف الذاتية، تظل المعارف الموضوعية جامدة دون معنى. لا يمكن أن تفوز في لعبة الشطرنج إذا لم تدرك معنا الفوز أو معنى اللعبة. لعبة الشطرنج معرفة موضوعية مستقلة عن إدراكنا لها، لكن الفوز حدث تمتزج به المعرفة الموضوعية بالأرقام والنقاط التي تحكمها قوانين اللعبة، مع المعرفة الذاتية التي تترجم بالفرح للفائز والحزن والغضب للمهزوم. ربما تستطيع تطبيقات الذكاء الاصطناعي التصرف بما يناسب المعارف الموضوعية، كالتوقف عن مواصلة اللعب عند الفوز بلعبة الشطرنج، إنما سيفشل في إدراك المعرفة الذاتية كأن يلعب التطبيق مباراة أخرى بحماس أكبر، أو يرفض اللعب مرة أخرى خوفاً من الهزيمة!




http://www.alriyadh.com/2010989]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]