تميزت العلاقات السعودية الإيرلندية بالود والاحترام المتبادل بين البلدين، حيث تم تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيرلندا في عام 1985م. وركزت العلاقات الثنائية بين البلدين على العديد من المجالات، بما في ذلك التجارة والاستثمار والتعليم، والثقافة، والعلوم والتقنية. وتعتبر الصناعات الغذائية والزراعة والطيران والتعليم والتدريب والمجالات التقنية والطبية من بين القطاعات الرئيسة التي يتعاون فيها البلدان.
حيث شجعت الحكومتان السعودية والإيرلندية التعاون في مختلف المجالات، من خلال تنظيم الزيارات الرسمية والتبادلات الثقافية والتجارية، وتوفير الفرص للشركات ورجال الأعمال للتعاون والاستثمار بين المملكة وإيرلندا والتي توجت عام 2018م بتوقيع اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين السعودية وإيرلندا، والتي تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات مثل الاستثمار والتجارة، والسياحة والتعليم والتقنية.
ويحظى اقتصاد إيرلندا بمكانة عالية بين الاقتصادات العالمية، لكونه اقتصادًا معرفيًا، يركز على الخدمات في التقنيات الحديثة، وعلوم الحياة، والخدمات المالية والأعمال التجارية الزراعية بما في ذلك الأغذية الزراعية، حيث يتميز بتنوعه الكبير وقوته الإنتاجية، مع توفير فرص عمل كثيرة للمواطنين الإيرلنديين والمقيمين النظاميين.
وبحسب آخر الإحصاءات، فإن مستوى دخل الفرد في إيرلندا يتراوح بين المرتفع والمتوسط، حيث يتجاوز الدخل السنوي للفرد الواحد مبلغ الـ48 ألف يورو، وهذا يجعله من بين أعلى الدول في العالم. وتعود هذه النسبة العالية لمؤشرات الإنتاجية العالية وتحفيز الحكومة الإيرلندية للاستثمار في الاقتصاد الوطني ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة وتحفيز الأعمال الابتكارية.
لهذا تُعد إيرلندا واحدة من أكثر الدول جاذبيةً للاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم، حيث بلغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد نحو 195 مليار يورو في عام 2020م (وفقًا لإحصائيات البنك الاحتياطي الأوروبي) لأنها تتمتع ببيئة اقتصادية ملائمة وقوية، وتوفر فرص استثمارية كبيرة في عدد من القطاعات الحيوية الإيرلندية.
ويتمتع اقتصاد إيرلندا بالاستقرار والنمو المطرد، ويعد واحدًا من أسرع الاقتصاديات نموًا في أوروبا، وتبلغ نسبة البطالة في البلاد حوالي 5 % فقط، لوجود بيئة عمل ملائمة ومحفزة للاستثمار والنمو وبنية تحتية متطورة، حيث تتوفر فيها شبكة واسعة من الموانئ والمطارات والطرق السريعة والسكك الحديدية، مما يجعلها مكانًا مثاليًا للاستثمار في القطاعات التجارية، والصناعية، والعقارية، والسياحية. ويدعم ذلك كله نظام ضريبي ملائم ومنخفض ومحفز للاستثمار الأجنبي، حيث يتم تطبيق ضريبة الشركات بنسبة 12.5 % فقط، وهي واحدة من أدنى الأنظمة الضريبية في أوروبا. كما أن الحكومة الإيرلندية تقدم مجموعة واسعة من الحوافز الاستثمارية والتسهيلات للشركات الأجنبية، مثل الدعم المالي للشركات الناشئة والاستثمار في البحث والتطوير.
لهذا تتسابق الدول والشركات الكبرى متعددة الجنسيات على الاستثمار في إيرلندا. وتشير آخر الإحصائيات إلى أن الولايات المتحدة الأميركية هي أكبر مستثمر أجنبي في إيرلندا، حيث تمثل حوالي 70 ٪ من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد، حيث تستثمر الشركات الأمريكية بشكل كبير في قطاعات مثل التقنية والصناعات الدوائية والخدمات المالية. وتليها المملكة المتحدة، حيث تستثمر الشركات البريطانية بشكل كبير في قطاعات مثل الطاقة والصناعات الدوائية والتقنية. وفي الترتيب الثالث تأتي سويسرا، حيث تستثمر الشركات السويسرية بشكل كبير في الصناعات الدوائية والمنتجات الالكترونية والمجالات الحيوية. وتعد ألمانيا المستثمر الرابع في إيرلندا، حيث تستثمر الشركات الألمانية بشكل كبير في قطاعات مثل السيارات والهندسة والتقنية وتجارة التجزئة. وتعد فرنسا المستثمر الخامس في إيرلندا، حيث تستثمر الشركات الفرنسية بشكل كبير في قطاعات مثل الطيران والصناعات الدوائية والتقنية. وبعد ذاك تأتي كل هولندا واليابان والصين وكندا والنمسا والامارات العربية المتحدة في الاستثمار في قطاعات مختلفة.
وتشمل الصناعات الرئيسية التي تستقطب الاستثمار الأجنبي في إيرلندا المجالات التالية:
أولاً: تقنية المعلومات والاتصالات حيث تضم إيرلندا العديد من الشركات العملاقة في مجال تقنية المعلومات مثل جوجل وفيسبوك وإنتل وديل وأي بي إم، وفرت فرص عمل لحوالي 37000 شخص.
ثانياً: الصناعات الدوائية حيث تستضيف إيرلندا نحو 50 شركة دوائية وحيوية عالمية مثل فايزر وجلاكسو سميث كلاين وبفيزر، وفرت فرص عمل لحوالي 50000 شخص.
ثالثاً: الخدمات المالية حيث تضم إيرلندا مراكز هامة للخدمات المالية لشركات مثل سيتي جروب وبنك أوف أمريكا وبنك الصين التجاري. وفرت فرص عمل لأكثر من 35000 موظف.
رابعاً: الأغذية والزراعة حيث تشتهر إيرلندا بإنتاج الغنم والبقر ومنتجات الألبان والزبدة والجبن. كما تضم شركات عملاقة مثل غلانبيري وكيري غروب، وفرت فرص عمل لحوالي 80000 شخص.
خامسا: تعد السياحة مصدراً مهماً للدخل والوظائف في إيرلندا، حيث تشكل نحو 4 % من الناتج المحلي الإجمالي وتوفر فرص عمل لآلاف الإيرلنديين. ووفقا للمنظمة العالمية للسياحة، استقبلت إيرلندا 11.2 مليون زائر دولي في عام 2019م، مما جعلها الدولة الـ 36 من حيث عدد الزوار في العالم.
وحتى يحقق الاستثمار الأجنبي أهداف الحكومة الإيرلندية في تحقيق التوازن بين قطاعات التنمية وتوفير الوظائف وتحقيق العدالة المجتمعية لمعظم مناطق ومدن إيرلندا تم توزيع الاستثمار الأجنبي على المدن حسب التالي:
دبلن: كعاصمة ايرلندا، تعتبر دبلن مركزاً رئيسياً للأعمال والاستثمارات الاجنبية. تضم العديد من الشركات الكبرى مثل غوغل وفيسبوك ومايكروسوفت.
كورك: تعتبر مدينة كورك ثاني أكبر مدينة في ايرلندا ومركزاً مهماً للصناعات الدوائية وتكنولوجيا المعلومات. تضم شركات عالمية كبيرة مثل أبوت وأسترازينكا.
جالواي: مدينة جالواي على الساحل الغربي لايرلندا تشتهر بقطاع تكنولوجيا المعلومات النشط. تعتبر مركزاً رئيسياً لشركات التكنولوجيا مثل فيدانتي وأسوس.
ليمريك: مدينة ليمريك تعتبر مركزاً مهماً للشركات التكنولوجية والابتكار. تضم العديد من مؤسسات البحث والتطوير لشركات مثل سيمفوني وأنالوغ ديفايسز.
واترفورد: مدينة واترفورد في الجنوب الشرقي تعتبر مركزاً رئيسياً لصناعة الأدوية مثل جاكلين، أسترازينيكا، وفايزر.
وحيث إن المملكة الآن من أكبر الدول المستثمرة في العالم، ويمتلك صندوق الثروة السيادية السعودية استثمارات في العديد من الشركات والمشاريع الكبرى حول العالم، بما في ذلك الشركات العالمية في قطاعات مثل النفط والغاز والتكنولوجيا والطاقة والسياحة والعقارات والتجارة والصناعات المتنوعة الأخرى، فأرى أنه ما زالت توجد العديد من الفرص للاستثمار المجدي للمملكة في إيرلندا في عدد من المجالات على سبيل المثال لا الحصر:
• تعد إيرلندا واحدة من أكبر المصدرين للأغذية في العالم، حيث تتمتع بأراضٍ خصبة ومناخ ملائم لزراعة الحبوب والخضروات وتربية الماشية. وتوفر الحكومة الإيرلندية حوافز لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع، بما في ذلك توفير دعم مالي وتسهيلات للمزارعين والشركات المتخصصة في الزراعة والغذاء.
• تسعى إيرلندا إلى الانتقال إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، وتتوفر فيها فرص استثمارية في مجالات مثل طاقة الرياح ومصادر الطاقة الحرارية. وتقدم الحكومة الإيرلندية حوافز لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع، بما في ذلك الدعم المالي والتسهيلات اللوجستية والإدارية والإعفاءات الضريبية.
• تعد إيرلندا واحدة من أكثر الوجهات السياحية شهرة في العالم، حيث تتمتع بطبيعة خلابة وتاريخ وثقافة غنية. وتوفر الحكومة الإيرلندية حوافز لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع، بما في ذلك توفير التمويل والتسهيلات الضريبية للشركات المتخصصة في السياحة والضيافة.
• تتوفر في إيرلندا موارد معدنية غنية من الذهب والزنك والرصاص والفضة والنحاس والمعادن الأخرى، وتوفر الحكومة الإيرلندية حوافز لتشجيع الاستثمار في هذا القطاع، بما في ذلك الدعم المالي والتسهيلات الضريبية وتسهيل إجراءات الترخيص.
• أيضاً: هناك العديد من القطاعات الأخرى التي يمكن الاستثمار فيها في إيرلندا، مثل قطاع الخدمات المهنية والمالية، والتعليم والتدريب، والصحة والخدمات اللوجستية.
وأخيرا، أعتقد أن الاستثمار السعودي في إيرلندا سوف يعزز من دوره وحضوره الاستثماري في دول أخرى مهمة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وجميع دول الاتحاد الأوربي نظرا للعلاقة الخاصة بين إيرلندا وتلك الدول، ولما تتمتع به المملكة من سمعة عالية عالميا بمصداقية علاقاتها الدولية وقوة اقتصادها وحكمة قيادتها.




http://www.alriyadh.com/2011714]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]