ملمح عميق لا يمكن تجاوزه في السياسة السعودية ولا يمكن لعاقل ومنصف أن يغض الطرف عنه؛ وهو استشعارها للدور التاريخي والحتمية القَدَرِيّة التي وضعتها أمام مسؤولية تاريخية تجاه أشقائها العرب؛ والمملكة -من واقع القراءة المتأنية والمجردة من المنصفين- إذ تتصدى لهذه المسؤولية فإنها لا تنطلق من مصلحة خاصة، أو من رؤية ضيقة لا تتجاوز النفعية المحضة، وإنما هي مواقف تأتي متسلسلة ومتناغمة ومتسقة مع النهج السعودي الرصين والثابت والآخذ في اعتباره وفي رؤيته الهم العربي الجمعي؛ فهي تستشعر كلّ حينٍ الوجع العربي، وتتداعى لأي جرح يطال أي قُطْر عربي؛ من هنا فإنها لم تقف مكتوفة الأيدي أمام أي معضلة عربية، بل إنها بحسّها العروبي والإسلامي تَهُبُّ لنجدة ومساعدة أي دولة شقيقة، ولا تساوم في هذه الوقفة، ولا تمارس ضغطاً أو انتهازيّة؛ وهو نُبْلٌ ليس بغريب على هذه الدولة التي تأسست على المواقف الأصيلة وقيم العروبة ومنظومة القيم والمروءة.
اليوم العرب في أمس الحاجة للتوحّد ونبذ الاختلافات وتجاوز مُكدّرات الماضي وبواعثه؛ فالجسد العربي بات مُنهَكاً، ومُتخماً بالجراح، والثلوم في كلّ مفاصله، ولم يعُدْ في أي جزء منه موطئ لجرح آخر.
هذا التصوّر يبدو مفهوماً ومُبرّراً عند أي متابع فطن يقرأ سردية الأحداث بوعي وبإنصاف غير مشوب بأي تحيّزات.
من هنا فإن الآمال والأعناق تشرئبّان لهذه القمة التي تشير المؤشرات والوقائع على أنها ستكون -بحول الله- ناجحة، وناجعة، وستعمل على رأب الصدع ولَأْم الجرح، وتضميد أحزان الماضي بكلّ توجّعاته ومآسيه، وتشرذماته.
المملكة -كما يلحظ المتابع- أثبتت الأيام أنها الشريك الأكثر ثقة، وأنها بما تملكه من إرث سياسي وتاريخي وإنساني عبر مواقف عديدة؛ هي الأقدر على لمّ الشتات، وترتيب البيت العربي من الداخل؛ سيما في هذا العصر الزاهر، الذي تشهد فيه المملكة حالة من الاستقرار والنجاح والإنجازات على الصعد كافة؛ بل إنها باتت الأنموذج الأهم والأرقى على مستوى العالم من حيث إدارة شؤونها كافة والتحديات التي مرت بها؛ ومجابهتها لأعتى المواقف على جميع المستويات.
كل هذه المُمكّنات، ونقاط القوة، فضلاً عن الحنكة في القيادة، والرُّشد في التعاطي مع الأزمات وشتى المستجدات على الساحة السياسة أو الاقتصادية أو الاجتماعية؛ كل هذه الممكنات تجعل من الجزم واليقين بنجاح القمة مضموناً متى ما استثمر المجتمعون من قادة الدول الشقيقة الفرصة؛ لتوحيد الهدف والرؤية ولَأْم تمزقات النسيج العربي العربي الذي عانت منه دولنا، ووأد كل ما من شأنه تعطيل انطلاقتنا كأشقاء عرب، وكان من مساوئ هذا التمزّق أن تفاقمت الحروب والخصومات، وباتت دولنا بيئة خصبة للإرهاب وغلواء الأفكار المتطرفة؛ الأمر الذي جعلنا نفقد الكثير من مقومات حضارتنا واستنارة شعوبنا، وبات شبابنا نهباً للاختطاف الفكري والإيديولوجي ومكابدات الطائفية والجماعات الإرهابية تحت ذريعة الدين.
آمال كبيرة تتوجه صوب مقر الاجتماع العربي المُرتقب في جدة لطيّ صفحات قاتمة وتسطير مرحلة حضارية واستنارة عربية تقود لفضاءات السلام ورفاه الإنسان وصون كرامته وإنسانيته.




http://www.alriyadh.com/2012852]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]