لا شك أنه أمام الحكمة الإلهية يقف المرء المسلم بثبات وقناعة ويقين.. ويعزز من قيمته منسوب إيمانه بما قضاه الله تبارك وتعالى، وأمر به من الطاعات والعبادات.. فالتسليم بما يحكم به الله عز وجل لا مجال فيه للجدل والفلسفة المقيتة بأدوات ظنية وعقلية تحرق بصيرة البشر، بل هم تسليم كامل تام وبالغ المعنى وشامخ الأساس.
وعبادة الحج كركن راسخ من أركان الإسلام مملوء بتفاصيل إيمانية وعقدية عظيمة، ومزحوم بالطاعات والعبادات المفروضة والمسنونة والمندوبة من هنا ينطلق الحاج في رحلته باتجاه المشاعر المقدسة، وهو يصيغ ذاته بطريقة مختلفة، ويبرمجها بلغة حركية وقولية وفعلية مميزة لا مكان فيها للرغبات الذاتية، والأهواء، والميول بل هي مسار يقيني ومرتب ومهذب يجعل الفرد المسلم الحاج يتشرب كل التفاصيل الممكنة في رحلته.
لن ينتاب الغموض مفهوم المكان، فجمالياته وحسائن الأفعال المنجزة هي الدلالة المطلقة على قدسية تلك المشاعر وأهميتها وقيمتها.. وما بين حرية العبور والاتصال في المشعر، ونبذ الانقطاع والانفصال عنه تكمن روحانية المكان وزائره.
هذا المكان هو الفضاء والمساحة التي تمارس فيها كل ما يؤمر به الحاج والمعتمر والتي دأب عليها الحجاج، لذا هو أيضا في بعده الدلالي يعتبر موضعا لانصهار الأفراد بعضهم ببعض، حيث يلتقون، ويتعارفون، ويسمعون، ويشاهدون، وينقلون فيقيمون فيه فرحاتهم فلا يمكن للمكان أن يكون له قيمة ومعنى حين ينفرد به شخص.
وفي بعض المفاهيم الدينية، فإن المتتبع لكلام الله، يجده يحوي كثيرا من السور، التي تتحدث وتروي عن مكة والبلد الأمين والبيت الحرام والكعبة وعرفات والمشعر، لذا فالمكان المقدس يفرض على مرتاديه سلوكا خاصا، ليس كسائر السلوك في أمكنة عادية.
عندما تتأمل لتكتب ستجد نصوصا مؤهلة لاحتضان روافد كثيرة تستعصي أن تضبط في رواق لغوي واحد لتعبّر عن المكان والإنسان في الحج، فالرحلة ليست مجرد انتقال من مكان لآخر كما كان يفعل العابرون، إنما هي منعطف مهم في حياة المسلمين. «من هنا يصبح المكان المقدس حافزا على الرغبة في التماهي مع المسلكيات الخيرة ودموع الوافدين لا تتوقف عن إعادة صياغة ذات من جديد يدرك الحاج في قرارة نفسه أن "هذه الذات الراحلة إلى هذه الأماكن، يعاد تشكيلها في هذه المكانات والمشاعر المقدسة بكونها تمثل مصدرا للإلهام الروحي للإنسان، حتى يبلغ به التأثر درجة البكاء في خوف ووجل وخشوع،
والمرتحل يؤدي في أمانة وإخلاص نداء الله، ففي هذا المكان الرحب تقام المناسك ويسمو إيمان المؤمن إلى العلياء.. استجابة لما فرضه الله، وطاعة الله واجبة، كما أنها لحظة تضرع إلى الله والتوسل إليه والإقرار بالذنوب، فتصبح المغفرة هنا أعز ما يصبو إليه العبد. يقول فؤاد قنديل: «كأن يرتحل للحج إلى الأماكن المقدسة، تلبية لنداء الرحمن وتوبة وتطهيرا للنفس من دنس الذنوب وعهدا للسير على الصراط المستقيم وأملا في المغفرة».
إن هذا الارتحال إلى البقاع المقدسة يمثل كذلك اختبارا من الله لعبده، على مدى قدرته على تحمل أعباء السفر، ومخاطر المسير، حينما يستشعر المسلم الحاج أنه ييمم نحو أحلى وأعز أماكن الله في أرضه، فتزداد درجة التحمل وتهون ويلات السفر، ومخاطر الطريق ومحنة الغير كذلك.
إن الرحلات جميعها تمر حتما بمسارات أولها: لحظة الإقلاع أو الخروج وغالبا ما يكون الرحالة فيها يتأرجح بين ألم الفراق ولهفة الوصول. وقد تكون مؤشرا لنجاح الرحلة، كما يمكن أن تكون عكس ذلك. وعلى الرحالة أن يعد العدة لذلك. ثم تليها لحظة الطريق وهي محك لاختبار.
ويبقى القول: المملكة تحضن هذا المكان تلك المشاعر بقدسيتها ومكانتها، وتجهّزها بكل المقومات، والمتطلبات، والأمكانات الممكنة الأمنية، والصحية، والبيئية، والمادية، والطرق، والمرور، والدفاع المدني، والإرشاد وغير ذلك وبلا حساب ولا بحث عن مقابل لإدراك مسبق أن المملكة خادمة للحرمين الشريفين وضيوفهما، يجسد ذلك فعلا وقولا قيادتنا الرشيدة الكريمة.. والكل متأكد أنه حين يقبل حاج من الخارج سيدرك ويحمل معه كل الصور الإيجابية عما شاهده وقابله في رحلة الحج.. ورسالة لحاج متلهف كونوا عباد الله إخوانا، وبعد حمد الله استمتعوا بدينكم وشعائره وعباداته الكريمة في بلاد الأمن والأمان.




http://www.alriyadh.com/2019750]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]