تطوير منظومة النقل في المملكة من الأمور المهمـــــة على المستوى الوطني، لأنه يدخل ضمن رغبتهـــــا في تحسين ترتيبهـا كمنصة لوجستية عالمية، وبحيث تكون الأولى على المستوى الإقليمي، وتقفز عالمياً من المركز 49 إلى المركز 25 في 2030..
تجـــربة النقـــل العام والتـرددي للحجاج، والتـــي قـــامت وتقوم بها النقابة العامة للسيارات في هذه الأيــــام، تنطوي على تراكم معرفي وخبرة طويلة في هذا المجال، فقد بدأت أعمالها في عام 1951 أو قبل 72 عاماً، وبأمر من الملك عبدالعزيز، وكانت تستهدف تنظيم وترتيب النقل في الحج، والنقابة تستلم الحاج من المنافذ على اختلافها وتعيده إليها، وبرنامجها الزمني محكوم بتوقيتات شرعية محددة، ولديها مؤشرات أداء تعمل عليها وبالأرقـــام، ويشمــــل ذلك أعداد الحجاج في المنافذ والفنادق والمشاعر المقدسة، وفي مكة والمدينة إجمالاً، بالإضافة إلى أرقام القادمين والمغادرين، بما يصل إلى المليونين ونصف المليون حاج، والوظيفة الأساسية للنقل العام، بطبيعة الحال، تكون باستثماره للمساحات المتوفرة في نقل أكبر عدد من الناس، وبما يمكنهم من الوصول إلى وجهاتهم في الوقت المحدد، وهذا متحقق فيما تقوم به النقابة، ولا أجد مانعاً من استنساخ تجربتها في حافلات المناطق والمدن، بالإضافة لفرض ضريبة ازدحام على من يفضلون الطرق الحيوية، تماماً كمنع السيارات الخاصة من دخول مكة والمشاعر.
الدولة تخطط لزيادة حصة استخدام النقل العام من 1 % إلى 15 % في سبعة أعوام وبما يجعل الحركة مرنة وصحية داخل المدن المركزية والمزدحمة، ومن الشواهد، مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام بالرياض، والذي بدأ تشغيــله في مارس من العــــــام الجاري، ويشمــــل مترو وحافلات للعاصمة السعودية، ويتشارك فيــــهما تحالف اقتصادي مكون من النقل الجماعي (سابتكو) وشركة فرنسية، وبقيمة إجمالية تزيد عن أربعة مليارات وخمسمائة وثلاثين مليون دولار، وفي الأحوال الطبيعية، القاعدة أن كل دولار يستثمر في النقل العام يعود بمنفعة اقتصادية على البلد تقدر بنحو خمسة دولارات، واستثمار مليار دولار في هذا النوع من النقل يوفر خمسين ألف وظيفــــة، والعائلة التي تستغني عن سيارتها الخاصة وتستخدم النقل العام بإمكانها توفير نحو عشرة آلاف دولار في العام الواحد.
في 2021 استفاد ما يزيد على خمسة ملايين راكب من خدمات النقل العام في مدينة الرياض، ومعهم أربعة ملايين في مدينة جدة، وبمتوسط سعر للتذكرة في حدود دولار واحد، ما يعني صحة النظرية، وتسعة ملايين دولار في جيب الملاك، والأرجـــح أن مستخدميـهما من العمالة الأجنبية، على الأقل في الوقت الجاري، كما كان الحال في (خط البلدة) الذي احتكر النقل داخل المدن، ولأكثــر من 35 عاماً، قبل إلغائه في 2018، والنقل العام جيد ولكن بعض السعوديين ينظرون إليه كوسيلة أقل درجة أو لا تليق.
قبل أربعة أشهر تم إطلاق أكبر مشروع للنقل بالحافلات بين المدن السعودية، وبما يخدم ستة ملايين راكب سنوياً، وذلك من خلال شبكة نقل تمتد لمئتي مدينة ومحافظة، وخدمات النقل بين المدن كانت محتكرة للنقل الجماعي طوال 45 عاماً، مثلما حصل مع الاتصالات السعودية والناقل الوطني، قبل التخصيص وفتح باب الاستثمار في قطاعي الجوالات والطيران، والتاريخ يعيد نفسه، فلم تعد (سابتكو) مسؤولة إلا عن محور المنطقة الجنوبية وحده، فيما ستوكل خدمات المحورين الشمالي الشرقي والشمالي الغربي لتحالفات منافسة، وستكون مدن: الرياض ومكة وجدة مشتركة بين التحالفات الثلاثة، وكلها ستعمل لمصلحة المستفيدين.
أنماط النقل العمومية تنجح بصورة أكبر في المدن الرأسية مقارنة بالمدن الأفقية، ومدن المملكة وأميركا أفقية، باستثناء نيويورك التي تعد من المدن الرأسية، بينما جنوب شرق آسيا وأوروبا رأسية في غالبها وثقافة النقل العام متجذرة في الثانية، منذ اختراع أول باص في لندن عام 1829، ورغم ما سبق فإن سعر التذاكر في أوروبا لا يغطي إلا 55 % من تكلفتها الفعلية، وفي آسيا يصل إلى 95 %، وفي أميركا القريبة من المملكة في تخطيطها الهندسي، لا تتجاوز النسبة 35 %، والخسائر تتم تغطيتها في العادة بالدعم الحكومي من الضرائب، على اعتبار أن النقل العام خدمة حضارية واقتصادية لأي دولة.
النقل العام أكثر أماناً بمعدل عشرة أضعاف مقارنة بالسيارة الخاصة، وقامت دراسة بالعمل على معيار مسافة طــــوله ثلاثة أمتار ونصف المتر، لمعرفة تأثير وسيلة النقل على المسافة، فوجدت أنه في كل ساعة يستطيع ألفا شخص بسياراتهم الخاصة اجتياز المسافة السابقة، في مقابل تسعة آلاف شخص في الحافلة العادية، ومن المتوقع أن يضيف النقل العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إذا سارت الأمور وفق الخطط الموضوعة ما يصل إلى 560 مليون دولار سنوياً، وتطوير منظومة النقل في المملكة من الأمور المهمـــــة على المستوى الوطني، لأنه يدخل ضمن رغبتهـــــا في تحسين ترتيبهـا كمنصة لوجستية عالمية، وبحيث تكون الأولى على المستوى الإقليمي، وتقفز عالمياً من المركز 49 إلى المركز 25 في 2030، والمسألة تحتاج إلى إحداث تحولات جذرية في أسلوب حياة المجتمع المحلي، وهذه تتطلب التفكير في حلول تشريعية ضابطة، وبما يجعل النقل العام الخيار الأوحد قدر الإمكان.




http://www.alriyadh.com/2020082]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]