مصطلح الشعبويّة مفهوم قديم، ولكن الجدل حوله وممارساته أصبحا أكثر وضوحاً في السياسة العالميّة المعاصرة. ويعني المفهوم البسيط للشعبويّة أن النخب التقليديّة لم تعد تمثّل هموم (عموم) الناس، وأن الحل في أن يتحرّك الغالبيّة لانتخاب رموز جديدة (من وسط الناس) لتتحدّى المؤسسات والتقاليد السياسيّة وحتى المنظّمات الدوليّة وتعبّر عن المصلحة الشعبيّة والوطنيّة أولاً. ومع أنّ هناك فروقاً بين الشعبويّة والقوميّة إلا أنهما يتداخلان كثيراً في النقاشات الإعلاميّة، ويصوّر المفهوم الغربي القوميّة على أنّها أيديولوجيا سياسيّة ترى بأن سيادة ومصالح وهويّة الأمة (الشعب) لها الأسبقيّة على الدول والمجموعات الأخرى من الناس، في حين أن الشعبويّة استراتيجيّة لحشد "الشعب" في مواجهة "النخب" التي جعلت حياة "الناس" أسوأ.
وترى بعض الدراسات أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016 كان أحد أبرز الأمثلة على قوّة صعود القوميّة الوطنيّة؛ لأن البريطانيين صوّتوا لرفض الحكم فوق الوطني، والرغبة في استعادة السيادة الوطنيّة. وفي أوروبا عموماً تنامت الحركات الشعبويّة التي أعلنت تحدّيها للأحزاب السياسيّة التقليديّة، ودعت إلى حماية الهويّة، وتشديد ضوابط الهجرة، بل وبرزت معها أفكار قوية تشكّك بالفكرة الأوروبيّة والاتحاد الأوروبي. وتأكد هذا الاتجاه الشعبوي القومي في الولايات المتحدة الأميركيّة مع ظاهرة "الترامبيّة"، إذ انتخب الرئيس ترمب (2017- 2021) بتأثير أجندته الشعبويّة القوميّة التي دعت إلى سياسات "أميركا أولاً" التي ضمّنها وعوده بتشديد قوانين الهجرة، وسياسات أكثر حمائيّة للتجارة الأميركيّة.
وتقول بعض مراكز التحليل إن موجات الهجرة العالميّة إلى العديد من البلدان (الغربيّة) شجّعت على ظهور خطاب شعبي ساخط، وسياسات مناهضة للهجرة، وتأجيج المشاعر القوميّة، وإشعال المخاوف بشأن الهويّة الثقافيّة. ومما أسهم في تغذية المشاعر الشعبويّة والقوميّة ورواج الأفكار الشعبويّة الوطنيّة ورموزها في الغرب تزايد السخط الاقتصادي جراء عدم المساواة في الدخل، وانعدام الأمن الوظيفي، وآثار العولمة. وكان واضحاً تأثير هذه الأفكار مع نجاح القادة الشعبويين في تولّي السلطة في بلدان حتى من خارج الحزام الغربيّ المؤثّر مثل: الهند، والبرازيل، والمجر، وتركيا. وعلى ضوء الأزمات الاقتصاديّة وما بعد وباء كورونا والحرب في أوكرانيا يرى المركز الأوروبي للدراسات الشعبويّة (ECPS) أن الأزمات عموماً تخلق بيئات ملائمة للسياسات الشعبويّة، وفي بعض الحالات تساهم في ظهور الأحزاب الشعبويّة ونجاحها.
ولا يفوت هنا التذكير بأن من أهم ما ساعد على توسيع دائرة الأفكار الشعبويّة والقوميّة هو انتشار استخدامات منصات التواصل الاجتماعي التي لعبت دورًا مهمًا في انتشار الخطاب الشعبوي والقومي، إذ سمحت لرموز هذه الأفكار ومناصريها بتجاوز قنوات الإعلام التقليديّة والتواصل المباشر مع عموم الناس.
ومن المرجّح عند بعض الباحثين أن يستمرّ صعود الشعبويّة والقوميّة في بلدان كثيرة مستقبلاً، لا سيما حيث توجد الفوارق الاقتصاديّة، والمخاوف المتعلّقة بالهويّة، وتزايد المشاعر المناهضة للمؤسسات التقليديّة والدوليّة.
مسارات
قال ومضى:
أخطر ما في الشعبوية أنها قد تعطي تفويضاً للفوضوية.




http://www.alriyadh.com/2020640]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]