أكثر ما يلفت نظر العالم تلك الحشود الغفيرة في موسم الحج التي يتجاوز عددها مليوني حاج من 170 جنسية تقريباً، في فترة زمنية محدودة، وفق جداول دقيقة في التنقل وأداء المشاعر والضيافة والسكن والتنقل، والرقابة، وأهم من ذلك كله الحفاظ على روح التسامح وتقديم الخدمات الأمنية برقي وإنسانية عالية، جعلنا نطلق عليها اصطلاحاً الأمن الإنساني، لما وجدناه وشاهده العالم وأشاد به الجميع داخل المناسك والمدن المقدسة، وبلدان الحجيج، ودول العالم التي تراقب عن كثب منظومة الحج كل عام؛ ليتابعوا كل جديد تقوم به المملكة في إدارة الحشود؛ للوصول بموسم الحج إلى بر السلامة والأمن، وتلك رسالة المملكة العربية السعودية عبر العصور، وتؤكد عليها، وتبذل كل غال ونفيس لتحقيقها.
إن أكثر ما لفت نظر العالم – خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي - البعد الإنساني الكبير لأفراد الأمن رجالاً وإناثاً، فبجانب الحرفية في التعامل الأمني، كان البعد الإنساني، وما قدمه أبطال المنظومة الأمنية من إخلاص وتفان وتقديم خدمات، قد يراها الكثيرون أنها ليست من اختصاصاتهم، ولكنهم قاموا بها بطيب خاطر ونفس راضية، وسماحة أرض ووطن وشخصيات عربية إسلامية راقية، فمنذ اللحظة الأولى التي يصل فيها حجاج بيت الله الحرام، وأول ما يشاهده الحاج الاستقبال الحافل، وسرعة الأداء في المطارات، وابتسامة أفراد الجوازات وإنجازهم وترحيبهم، مما يترك أثراً يظل في نفس الحاج إلى أبعد مدى، وذكرى طيبة تضيف الكثير للصورة الذهنية عن المملكة وأبنائها، وكرم ضيافتها، واحترافية الأداء، رغم الصعوبة والعناء، والإرهاق، إلا أنهم كانوا وجهة مشرفة للمملكة.
لقد نجحت المملكة على مدار السنوات الماضية، نتيجة لتراكم الخبرات في إدارة الحشود، وآليات التعامل مع الكتل البشرية في موسمي الحج والعمرة، من خلال الخطط السنوية للتعامل مع ملايين البشر في فترة زمنية ومكان محدد، في الحرمين الشريفين (مكة المكرمة، والمدينة المنورة)، والمشاعر المقدسة، والشوارع والطرقات، والمطاعم، ودور الضيافة، ووسائل المواصلات.
إن إدارة الحشود منظومة أمنية متكاملة، لتنظيم الحجاج والمعتمرين، للمحافظة على سلامتهم، خلال أدائهم مناسكهم في المسجد الحرام، والطواف بين الصفا والمروة، المشاعر المقدسة المختلفة في منى وعرفات ومزدلفة، وتحريك هذا العدد الكبير من المسلمين، وفق الحدود الزمانية والمكانية الشرعية، أو العمرة خلال شهر رمضان.
ومن الصعوبات التي تواجه فرق الأمن المختلفة تحريك الحجاج، خلال فترة الشتاء، حيث يصبح التوقيت ما بين الزوال والغروب خلال رمي الجمرات، نحو ساعات، بحيث يجري تكثيف العملية الأمنية خلال تلك الفترة، وبكل يسر وسهولة، ويستطيع الجميع رمي الجمرات، بحيث إن هناك شعائر دينية مرتبطة بالزمان.، إضافة إلى التحقق من سهولة تنقل الحجاج خلال أداء الشعائر الدينية المختلفة، في مواقع مختلفة تشمل المنشآت والطرق المؤدية إلى المنشآت، وإنشاء طرق جديدة بديلة، لأن منى لها حدود مكانية لا يمكن تجاوزها، وبالتالي يعملون على التوازن بين الطرقات والمساكن، والتنقلات، مع أخذ الاحتياطات الأمنية عالية الدقة خلال وجود الحجاج داخل المساكن، وسهولة تنقلاتهم بالطرقات، ومراقبتها عبر الكاميرات، ومن خلال تقنيات جديدة تضمن السلامة والأمن والتيسير عليهم.
وأجمل من ذلك كله الحس الإنساني والرقي في التعامل، مع حرارة الجو ورذاذ الماء المرطب على وجوه ضيوف الرحمن بأيدي شباب مخلص، يؤدون رسالة سامية، فهذا يساعد، وذاك يحمل حاجاً، وآخر يدفع الكرسي المتحرك، أو يحمل طفلاً أو ينقذ مريضاً، أو يفتح طريقاً أو يقدم رشفات ماء في طقس ملتهب، ويتعاظم عطاؤهم بقدر عظمة المنسك والشعائر المقدسة والبيت الحرام، وعبقرية الأرض الخالدة.




http://www.alriyadh.com/2022380]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]