كان كما تصورته لطيفاً ومتواضعاً، هناك في منتدى الشارقة للاتصال الحكومي، رغم الازدحام حوله يبستم لكل أحد، إنه القاضي الأميركي "فرانشيسكو كابريو" الشهير حول العالم بالقاضي الرحيم.
لمست أمامي ملاكاً في ثوب قاضٍ، تماماً كما يفعل في قاعة محكمة "بروفيدنس برود أيلاند"، والذي عرفناه كما الملايين، عبر ظهوره التلفزيوني في برامجه الواقعي، الذي كان ينقل تفاصيل نقاشه الأبوي مع المتهمين، وكيفية تفهمه وإدراكه للظروف والأحداث التي قادتهم لمخالفة القانون.
كانت البداية عن أثر والده عليه، الذي حضر أول حكم نطقه، وكان على زوجين متهمين بمخالفات مرورية، رفضا دفع الغرامات التي عليهما بأسلوب عدائي! مما دفع "كابريو" لممارسة السلطة الكاملة والحكم بفرض أعلى غرامة عليها، بهدف أن يجعل منهما عبرة لغيرهما، ثم عاد منتشياً إلى غرفة القاضي ليقابل والده هناك، وينتهز الفرصة ويسأله عن رأيه في أدائه، غير أن والده قلب الأمور رأساً على عقب، موجه سهام الأسئلة نحوه: كيف لابن مهاجرين عانو الكثير أن يحكم على زوجين ذوي أطفال بدفع أقصى غرامة؟ لما لم يتفهم ظروفها؟ لقد كانا عدائيين لأنهما خائفان، يحتاجان المساعدة، ثم خطبة طويلة عن التعاطف والتفهم والمسامحة، ليكون ذلك الحكم نقطة تحوّل في فهمه لدوره كقاضٍ، وكيف أن "القاضي ليس مجرد موظف حكومي يُطبق القانون بحرفية، بل هو إنسان يتعامل مع إنسان" على حد قوله، فالقاضي لديه فرصة لإظهار جانب إيجابي من السلطة، لذا تنطلق فلسفته من أن يستجب لاحتياجات الناس، وأن يستمع بقلبه، فهو يؤمن أننا في يوم ما سوف نقف ونحاسب عن مسيرة حياتنا، حينها سوف يُسأل عن: الأمل والفرق الذي أحدثناه في حياة من حولنا!
إحدى أروع القصص التي شاركنا إياها، حينما وقف أمامه "فيكتور" البالغ من العمر 96 عاماً بتهمة تجاوز السرعة المحددة، وتبين أنه كان مسرعاً بابنه "الستيني" لعلاج السرطان! لم يسقط عنه الغرامة فقط، بل شكره وقدر ما يفعل وأمسى صديقًا له، ثم زاره في منزله واحتفل معه - مؤخرا - بعيد ميلاده المئة، والأهم شفاء ابنه! أو تلك المرأة التي أسقط عنها غرامة الوقوف الخطأ، لأنها أوقفت سيارتها قبل دقيقتين من بدء فترة السماح بالوقوف!
امتدت قصصه وتجاوزت الآفاق، حتى وصل عدد مشتركي قناته في اليوتيوب إلى مليوني ونصف المليون مشترك، وسبعة عشر مليوناً في الفيسبوك، وتشجعت بعض المحاكم الأميركية لاستلهام أسلوبه، واستخدام مقاطعه لإرشاد القضاة نحو اللطف والرحمة.
تقاعد "فرانك" الرحيم في يناير الماضي من عمله كقاضٍ، بعد خدمة أربعين عاماً، ولا يزال مؤمناً أن “القليل من التعاطف يمكن أن يقطع شوطًا طويلًا في مساعدة الناس على مواجهة تحديات الحياة الحقيقية"، وهو ما يجب أن نستشعره جميعاً ليس في أحكامنا فقط، بل حتى في علاقاتنا بمن حولنا.
http://www.alriyadh.com/2035529]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]