مع حلول يوم الوحدة الألمانية، أشرع في التأمل بشأن أهمية هذا اليوم، لا سيما في سياق علاقاتنا الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية. للمرة الأولى، أحتفل بعيدنا الوطني في المملكة العربية السعودية، إنه لشرف عظيم لي أن أحيي هذه المناسبة، في وقت تزداد فيه الأواصر بين دولتينا قوةً، في عالمٍ تتزايد فيه الحاجة إلى الأمن والاستقرار.
في يومنا الوطني، والذي يصادف في يوم الثالث من أكتوبر، نحتفل بإعادة توحيد ألمانيا، فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية - هذه الحرب التي لن ننسى أبداً أن ألمانيا النازية هي من بدأها، وأن هذه الحرب رافقتها فظائع وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية لم يسبق لها مثيل، فتم تقسيم ألمانيا إلى جزئين، شرقي وغربي، يفصل بينهما حاجز خرساني خاضع للحراسة الأمنية؛ «الجدار سيئ السمعة». خلال العقود التي تلت، وقف الجدار كرمزٍ للحرب الباردة، التي خلقت حالة خصومة قسمت العالم إلى معسكرين، «الغرب» بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، و»الشرق» بقيادة الاتحاد السوفياتي، والذي هيمنت عليه روسيا أكبر أعضائه.
في شهر نوفمبر من عام 1989م، سقط الجدار، وأُعيد توحيد ألمانيا رسميًا في الثالث من أكتوبر عام 1990م، وهو واحد من أسعد الأيام في تاريخ وطننا، ومثلما سقط «الجدار»، رمز الحرب الباردة، انتهت الحرب الباردة نفسها، وانتهى معها -أو هكذا بدا لنا في ذلك الوقت- خطر نشوب حربٍ أخرى في القارة الأوروبية، تترتب عليها تداعيات عالمية. فشكّلت هذه التطورات معلمًا تاريخيًا، قوبل بالفرح والارتياح في جميع أنحاء العالم.
اليوم، عادت الحرب إلى القارة الأوروبية من خلال الحرب الروسية على أوكرانيا. بدا الأمر وكأنه حلم سيئ من زمن الحرب الباردة، أضحى حقيقة في القرن الحادي والعشرين، هذا القرن الذي يزداد فيه العالم عولمةً وتعددًا للأقطاب. فالحرب الروسية تؤثر على استقرار العالم وأمنه، سواء من خلال ارتفاع أسعار الغاز أو النقص في إمدادات الحبوب.
يشكّل الاستقرار والأمن عنصران أساسيان في سياستنا الخارجية؛ ولهذا السبب أعلنت ألمانيا هذا العام عن أول استراتيجية لها للأمن الوطني، تدرك هذه الاستراتيجية المشهد العالمي المتغير الناجم عن الحرب العدوانية الروسية، وصعود تعددية الأقطاب، وما تشهد العلاقات الدولية من تنامي الخصومة بين نماذج الحكم. وضمن هذا الإطار، فإن المفهوم الذي لدينا عن أمننا يشمل أبعادًا متعددة، أولّها، أننا سندافع دائمًا عن حدودنا وحدود حلفائنا ضد التهديدات الخارجية، وسنقوم بكل ما يلزم لردع أي معتدٍ محتمل ومحاربته إذا لزم الأمر. إلّا أنّ الأمن يشمل أيضاً تنويع مصادر الطاقة لدينا لضمان القدرة على الصمود. فالأمن يعني مواجهة التهديد الذي تشكّله أزمة المناخ، من خلال الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وفي الوقت نفسه التصدي للآثار الحالية من خلال استراتيجيات التكيّف. بالنسبة لألمانيا، فإنّ الأمن يعني شراكةً وثيقةً مع الأصدقاء الذين يؤيدون معنا نظام دولي يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة. وفي هذا الصدد، تلعب المملكة العربية السعودية دورًا مهمًا كشريك أساسي.
لقد ازدهرت شراكتنا مع المملكة، كما يتضح من الزيارات العديدة رفيعة المستوى بين بلدينا خلال الـ12 شهرًا الماضية، حيث قام كلٌ من المستشار الاتحادي أولاف شولتز، ووزيرة الخارجية الاتحادية أنالينا بيربوك بزيارة المملكة العربية السعودية في هذه الفترة، وتوسطّ هاتين الزيارتين العديدُ من الاجتماعات رفيعة المستوى، ممّا يؤكد التزامنا بتعزيز العلاقات الثنائية.
بالمقابل، أجرى عدد من الوزراء السعوديين زيارات هامة لألمانيا، مثل صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان آل سعود، وصاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، ومعالي المهندس خالد الفالح، ومعالي الأستاذ أحمد بن عقيل الخطيب، ومعالي الأستاذ بندر الخريف، الأمر الذي يدل على ما يولونه من اهتمام بالغ بتعزيز التعاون بين بلدينا.
إنّ التزام ألمانيا بالأمن والاستقرار العالميين ينعكس عبر دورنا في إدارة الأزمات الدولية. أما المملكة العربية السعودية فإنها لعبت دوراً محورياً في الجهود المبذولة لحل الأزمة في السودان، كما وفرت ملاذًا آمنًا للمواطنين الألمان، والمواطنين من جميع أنحاء العالم. نحن ممتنون بصدقٍ لهذا الدعم.
إنّ أزمة المناخ تتخطى حدود بلداننا. ومن ثم، فإن لدى المملكة وألمانيا مصلحة مشتركة فيما يتعلق بالأمن والاستقرار في مجال الطاقة، وخاصةً في مجال تكنولوجيا الهيدروجين.
وبما أننا نتوقع طلبًا كبيرًا على واردات الهيدروجين النظيف بحلول عام 2030م، فإن المملكة تلعب دورًا مهمًا في هذا المسعى. علمًا أن الشركات الألمانية تشارك بفاعلية في مختلف مشاريع الطاقة داخل المملكة. من خلال الاحتفال بيومنا الوطني، نحتفل بالوحدة الألمانية، وهو حدث تاريخي لم يكن ليحدث لولا دعم حلفائنا الغربيين، وكذلك الاتحاد السوفياتي السابق.
اليوم، نحتفل بيومنا الوطني في عالم يشهد تغييرات جذرية. عالم تحتاج فيه كل دولة، من أجل التغلب على التحديات العالمية، إلى حلفاء وشركاء رئيسيين يتشاطرون هدف بناء عالمٍ ينعم بالسلام والأمن والرخاء. إنني أتطلع إلى العمل مع أصدقائنا وشركائنا السعوديين، على أجندة عمل إيجابية من شأنها أن تصل بعلاقاتنا الثنائية إلى أوج طاقاتها، الأمر الذي سوف يساهم في تحقيق أهدافنا المشتركة.
السفير الألماني لدى المملكة




http://www.alriyadh.com/2035941]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]