هذا العمل السينمائي حقق نجاحاً في دار السينما وعلى منصات الأفلام، وهذا يعطي مؤشراً بقيمة ما تم تقديمه.. ومن وجهة نظري حتى وإن كان مسار الفيلم يقوم على تقديم حالة تمثيلية فيها أشياء من المبالغات والمغالطات إلا أنه في كثير من ملامحه قدم جانبًا يشبهنا، أو يشبه جزءًا من حياتنا اليومية الاجتماعية..
مؤكد أن نقد وتحليل وتقييم الأفلام والأعمال الفنية تتطلب مراجعة دقيقة، وقراءة وثيقة لكل مجريات العمل الفني الذي يتضمن القصة ذاتها، وحبكتها، وجودة الحوار السيناريو وطريقة التصوير والتأثيرات الموسيقية، وأداء الممثلين، ومضمون الشخصيات، وتكوين المشاهد، ومزج الصوت، واختيار الملابس، والمؤثرات، والإيقاع الفني وجاذبيته من عدمها وغير ذلك من التفاصيل وسيكتفى في هذا المقام بلمحات عامة.
ولا شك أن الفيلم السعودي "سطّار" حمل قيمة فنية مهمة تجعلنا نتابع بكل الحواس ما تم تقديمه في مجريات وأحداث وشخصيات الفيلم.. فكانت مقدمته مرتبطة ارتباطا وثيقا بعقلية وعواطف وشجون الكثير الذي يعرفون قصة الأفلام وأجهزة الفيديو وبداياتها محلات بيع الأفلام في شارع الشميسي وحارة الأفلام في حي المربع، كما شملت المقدمة لمحات تسويقية ومشاهد لمدينة الرياض وبعض الأماكن في المملكة.
هذه المقدمة حقيقة كانت لافتة أن ربطت الدخول إلى هذا الفيلم بعاطفة المشاهد القديم بواقع جديد، فبعدما كنا مستهلكين بمشاهدة أفلام غيرنا أمسينا اليوم نشاهد أفلاما سعودية وربطت المشاهد غير السعودي بمشاهد باهرة عن المملكة.
تمحورت قصة الفيلم حول طموح وأمنية سعد "قام بالدور الممثل إبراهيم الحجاج" ذلك الشخص الذي يعشق رياضة المصارعة، وكان هذا العشق بسبب متابعته منذ كان صغيرا وبتأثير من جده لمنافسات المصارعة مما جعله يعرف أسماء الأبطال وقدراتهم البدنية وحركاتهم، ولكن طبيعة الحياة التي تسحب الأشخاص لروتينها المعتاد تمركز في الدراسة والعمل ومشاكله، وممارسة الحياة بشكل عام. ومع ذلك بقي العاشق على عشقه وجده دوما يحفزه ويشاركه آخر الأخبار مع أن هذا المحب دخل مساحة الحياة الزوجية وهو على قبول الاستقرار الأسري ويبحث عن مسكن يلائم مشروعه القادم.
لكن الجد فاجأ سعد بأن هناك جهة تبحث عن مصارعين سعوديين ويمكنه أن يحقق أمنيته في عمر الثلاثين يذهب سعد ليشارك في هذا التجمع ويختبر مقدرته، ويبحث عن فرصته لكن يفشل في لحظات بسيطة بطريقة ساخرة جعلت الناس من حوله يسخرون من تجربته وما قدمه أمام خصمه القوي.. وأصبح يواجه حركات الاستهجان الضاحك حتى في عمله..
يتعرض سعد لحادث حيث تصدمه سيارة ويسقط أرضا لكنه لا يتعرض إلى أي أذى وكان ممن شاهد هذا الحادث شخص عابر يتخفى ويضع هاتفا في حقيبة سعد ليتصل عليه لاحقا ويستغرب الاتصال سعد لكن ذلك الشخص كان يعرف بعشق سعد للمصارعة ورغبته بأن يكون مصارعا ويضعه ذاك الشخص في دائرة الجذب والتشويق بأن لديه ما سيساعده على تحقيق حلمه المهم أن يلتقي به ويسمع ما لديه، يتم تحديد الموعد ويلتقيان في قالب كوميدي يجعل المشاهد قبول شخصية الشخصية الأخرى التي تتمحور قصة الفيلم على ما يقدمه.
يوصله علي هوغن "قام بالدور الممثل عبدالعزيز الشهري" الذي تقمص فيه شخصية طيبة ومثيرة وخفيفة ظل اتسمت بالكوميديا الشخصية التي تقوم على استخدام ملابس خاصة، وأسلوب كلام لافت واستعمال عبارات قريبة للمتلقي المقصود إلى مقره في إحدى الحارات الشعبية وهو يعيش حالة متواضعة ويعاني من حياة مادية ناشفة يلاحقه المطالبون في بيته يحاول علي إقناع سعد بالذهاب إلى الحفرة التي سيرى فيها الحلم، بالفعل يذهب سعد مع علي وهو في حالة تشكك مما قد يواجهه خصوصا أن الوضع غير مريح.. يدخلان الحفرة التي يتحكم فيها دبرمان وهو يقود واقعا غير قانوني في وسط مراهنات ومخالفات نظامية فيها رهانات ومظاهر غير مقبولة وكان الأهم فيها المصارعة ومنافساتها وهذا ما جعل سعدا يصطدم بحلمه في واقع غريب لكن حلمه هزمه وجعله يتصالح مع هذا الواقع دون انتباه، وتستمر مجريات الدخول في هذه الحفرة التي تقوم على منافسات المصارعة للمبتدئين ويعقبها منافسة شرسة للمؤهلين الكبار وفيها جوائز كبيرة ويشارك فيها دبرمان المسيطر على ذلك بسبب ما يملكه من نفوذ وسطوة وخداع وحيلة.. وهذا ما حدا بسعد أن يطلب من علي ويصر على المشاركة في المنافسة الكبرى مهما حصل، يوافق علي ويقترح تدريبه على يد عبدالخالق صاحب القدرات والإمكانات في المصارعة ويدربه والذي يكتشف لاحقا أن عبدالخالق ليس إلا ضابط أمن يتابع الحفرة وما فيها ليجد فرصة للقبض على دبرمان ويشرك سعدا في ذلك ويوافق خدمة لبلده.. كما استفاد من خبرات جده الذي كان يشارك سابقا في الحفرة وهو يخفي عنه ويعلمه جده حركة "المخمس الأسطوري".
سعد الذي يبحث عن تأثيث بيته بجودة وكما تطلب منه خطيبته أدرك أن الجائزة الكبرى ستحقق لها بعض متطلباته وهذا ما جعله يقنع خطيبته أن يشارك في ذلك لأجلها إلا أنه يصطدم بفسخ الخطوبة من قبلها وهو يدخل المنافسة الكبرى في جولاتها الأخيرة ويصر سعد على الاستمرار وتتوالى الأحداث ويواجه صعوبات إلى أن يقابل في النهائي دبرمان وفي النهاية يفوز ويحصل على البطولة وتعود خطيبته.
هذا الفيلم من وجهة نظري أجده حقق أولية في سياق وسباق السينما السعودية وتقديم أعمال فنية مشبعة بالدراما والكوميديا، وتقديم شكل سينمائي وتجربة ذات جودة مناسبة قصة وأداء وحبكة وسيناريو وحوارا لا شك أن الاتجاه العام للقصة كان اتجاها معقولا لامس بتمعن كل أطراف وشخصيات القصة بشكل فيها إشباع للشخصية وفنية أدائها وأعتقد أن المتلقي شاهد عملا جاذبا صنعته شخصيات الفيلم بحسن أدائها وإطلاق قدراتها الفنية الذاتية والمتقمصة والمستعارة فكانت كوامن الممثلين كسعد في شخصية متصالحة ممتلئة بالهموم والطموح وشخصية علي هوغن الذي أضاف وهجا ظريفا وطريقا لمساحة الشخصية المطلوب منها في الفيلم بطريقة كلامه وتعليقاته وتعبيراته الطبيعية، وردود أفعاله العادية، وكذلك عبدالخالق الذي أتقن بشكل كامل ومشبع بشخصية الرجل الباكستاني المقيم بيننا فكان كلامه وحركاته وتعبيراته مطابقة.
أعتقد أن حركة التصوير واللمحات والديكورات وملابس الممثلين كانت في مستوى معقول لا يلاحظ فيه شذوذ فني غير مريح، وكذلك دمج المشاهد وتسلسلها المتعاقب والرابط بين مجريات الفيلم أيضا كانت مقبولة لا يوجد فيها ثقل ذهني وبصري يرهق وعي المتلقي بما يشاهده، كذلك كانت إضافة شيلات خاصة، ومشاهد غنائية واستثارية ارتبطت بأصناف المصارعين وشخصياتهم.
ويبقى القول: هذا العمل السينمائي حقق نجاحا في دار السينما وعلى منصات الأفلام وهذا يعطي مؤشرا بقيمة ما تم تقديمه.. ومن وجهة نظري حتى وإن كان مسار الفيلم يقوم على تقديم حالة تمثيلية فيها أشياء من المبالغات والمغالطات إلا أنه في كثير من ملامحه قدم جانبًا يشبهنا، أو يشبه جزءًا من حياتنا اليومية الاجتماعية ويشكر طاقم الفيلم على ما قدموه من جهد وعطاء وأتمنى أن تستمر المجموعة في أعمال فنية وأفلام جديدة بأفكار تخدم واقعنا المتطور، وخصوصا الأعمال السينمائية ذات المواسم والحلقات.




http://www.alriyadh.com/2036109]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]