تميزت قصة المملكة في التعامل مع الجائحة بقرارات من القيادة العليا وهي قرارات رائدة إنسانية وإدارية تضمنها كتاب د. توفيق الربيعة، منها قرار متابعة كل العالقين في الخارج وضمان سلامتهم وعودتهم بأمان للوطن..
نواصل الحديث عن كتاب (الوقوف على أطراف الأصابع) لمؤلفه الدكتور توفيق الربيعة وزير الصحة السابق..
كتاب عن ذكريات المؤلف مع جائحة كورونا 2020. ذكرياته ليس كمواطن عادي ولكن كمسؤول في قمة هرم وزارة الصحة. من هنا يكتسب الكتاب أهمية بالغة كونه يصف تلك الفترة الحرجة من قلب الأحداث، من الميدان، من ممارسة مباشرة في ظل ظروف صعبة ضاغطة تتطلب اتخاذ قرارات كما تتطلب وجود آلية مناسبة للتوصل لهذه القرارات وهذا وضع يبين كم كان مهماً العمل على مدار الساعة. ورغم ضغط الوقت وأهمية اتخاذ قرارات طارئة كان لا بد من الحوار والاستشارة المتخصصة، كانت ظروفاً استثنائية تختبر مهارة إدارة الوقت في مثل هذه الظروف. يصف المؤلف هذا الوضع: (لم تكن تلك الأيام حينها تشبه الأيام التي سبقت الجائحة، انقلب كل شيء فجأة، أنا الإنسان الذي لم يعتد السهر، صرت رفيقاً لليل، أبحث عن ساعات هنا وهناك من أجل الراحة والنوم، أبحث عن أوقات وربما لحظات من أجل التقاط أنفاس يسيرة).
رغم تلك الظروف الضاغطة كان الحوار وتبادل الرأي والمشاركة خطوة أساسية قبل اتخاذ القرارات. قرار إيقاف العمرة من الخارج على سبيل المثال قرار ملح بالغ الأهمية بهدف حماية الناس من خطر الجائحة. كانت اللجنة العليا برئاسة وزير الصحة تجتمع بشكل يومي وكان لها لجنة تحضيرية تعمل على التفاصيل والإعداد لما يعرض على اللجنة العليا، كانت تلك آلية اختصرت وقت اللجنة العليا. بهذه الآلية واستناداً إلى رأي المختصين، والنقاش داخل اللجنة العليا تم التصويت على قرار إيقاف العمرة من الخارج بالإجماع. من الدروس الإدارية التي أشار إليها المؤلف -وهو محق في ذلك- (أن جودة وسرعة التوقيت لاتخاذ القرار واستشارة المختصين هي أهم ركيزة للنجاح، هناك قرارات رائعة اتخذت في الوقت الخطأ أو من دون استشارة أهل الاختصاص، كان ثمنها الفشل).
ويمكن القول إضافة إلى ما ذكره المؤلف: إن استشعار المسؤولية، ووضوح المهام وتوزيعها على فريق العمل حسب الاختصاص ووضوح آلية التنسيق والإجراءات ووضوح الصلاحيات وآلية اتخاذ القرارات، كل ذلك ساعد في إدارة الوقت الضاغط.
يتضمن الكتاب كثيراً من الدروس منها الإشارة بالاسم لمن كان ضمن فريق العمل وتقدير المشاركين في مواقع المسؤولية المختلفة والإشادة بكفاءتهم ومقترحاتهم التي ينبثق عن بعضها قرارات مهمة مثل قرار التعليم عن بعد. يقول المؤلف بعد التوصل لهذا القرار: (تعلمك بعض المواقف أن أصوات العاطفة حادة وعالية بطبعها، لكنها لا تصلح أبداً لأن تتولى دفة القيادة، إنسان واحد يفكر بعقل ومنطق في الأزمات، خير من ألف تحركهم العاطفة).
سلامة أرواح الناس كانت هي الأساس الذي تنطلق منه القرارات والإجراءات، قرارات صعبة ملحة لكنها تمت بأسلوب التشاور والاستعانة بأهل الاختصاص كما حصل في قرار الصلاة في البيوت. بعد أن أحيل إلى هيئة كبار العلماء.. (صفحة 59، 60، 61).
تميزت قصة المملكة في التعامل مع الجائحة بقرارات من القيادة العليا وهي قرارات رائدة إنسانية وإدارية تضمنها كتاب د. توفيق الربيعة، منها قرار متابعة كل العالقين في الخارج وضمان سلامتهم وعودتهم بأمان للوطن.
من الدروس الإدارية في الكتاب عملية توزيع الأدوار حسب التخصص كما حدث في تشكيل لجنة للمحاجر برئاسة وزير السياحة تتولى موضوع الفنادق لتكون مقراً للقادمين من الخارج كمحاجر صحية.
كان الحجر الصحي يخضع لمعايير صارمة لا تخترقها الوساطات. المحاجر شملت أيضاً المصابين من الداخل حيث توفر غرفة في فندق لمن لا يستطيع حجر نفسه. في موضوع الحجر تفاصيل توضح قدرات المملكة اللوجستية ومتابعة وتوجيه من القيادة العليا لحل أي مشكلة أو عقبات تؤثر على عودة العالقين في الخارج، وسلامة المواطنين والمقيمين، وجهود مخلصة منظمة متكاملة بين قطاعات الدولة المختلفة.
القصة لا تنتهي بدون الحديث عن احتياجات دول العالم للحماية من الجائحة. الكمامات، المعقمات، أجهزة الأكسجين، الأدوية. تفاصيل مثيرة في هذا الجزء من الكتاب. ولأن الحاجة أم الاختراع -كما يقال- فقد استطاعت المملكة حل نقص المواد الأساسية للمعقمات عن طريق تصنيع هذه المواد الخام محلياً عن طريق المصانع البتروكيماوية، وكان لوزير الطاقة سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان دور قيادي في هذا الإنجاز.
.. للقصة بقية، ولدروسها كذلك، لكن المساحة تؤجل الحديث.




http://www.alriyadh.com/2037320]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]