نعلم أنه ما زال أمامنا تحديات في القدرات الصناعية لإنتاج أسلحة متطورة للغاية بشكل مستقل -وهذا أمر طبيعي- إلا أن النتائج على الأرض، وهي كثيرة ولله الحمد، واهتمام قيادتنا باستراتيجية توطين الصناعات العسكرية ستُبرزان نتائج إيجابية على المديين المتوسط والبعيد..
حتى نكون على دراية واستيعاب كاملين لملف تطوير الصناعات العسكرية السعودية الهجومية والدفاعية، فمن المهم الوعي بأن ذلك يُعد أحد أهم الملفات -إن لم يكن أولها- على طاولة أولويات قيادتنا السياسية، خاصة بعد إطلاق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في أبريل 2016 لرؤية السعودية 2030، لذا يبرز أمامنا تساؤل مشروع لنا كمواطنين، وهو: إلى أين وصلت بلادنا في هذا الملف بعد مضي ثماني سنوات تقريبًا على الرؤية؟
خلال العطلة الأسبوعية، تعمقت في قراءة العديد من الأوراق البحثية والتحليلات الصادرة عن مراكز الأبحاث والدراسات الإقليمية والدولية، وما جذبني لذلك هو طبيعة التوترات المتصاعدة في منطقتنا الساخنة، فضلًا عن المتغيرات الجيوسياسية فيها، وحتى أكون أكثر دقة لن أتطرق إلى طبيعة العلاقات العسكرية الأميركية والسعودية فيما يتعلق بتوريد الأسلحة لبلادنا وما حصل فيها من تعقيدات من الجانب الأميركي أو حتى من شركات الصناعة لديهم التي تواجه مشكلات في الإيفاء بالتزاماتها تجاه مختلف الدول، من المسارات المهمة لفهم هذا الموضوع بشكل مبسط، طرح التساؤل التالي: لماذا اندفعت السعودية صوب تطوير أسلحتها بنفسها؟ استشهد هنا بإجابة ليوناردو جاكوبو ماريا مازوكو، وهو باحث متخصص في الشؤون الأمنية لمنطقة الخليج، ومحلل لدى Gulf State Analytics وهي شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية مقرها واشنطن، من خلال استعراض تحليله المطول الذي حمل عنوان "قطاع الدفاع السعودي يحقق خطوات واسعة في القوة الجوية"، والمنشور في أوائل أكتوبر الجاري، حيث أجمل إجابته في نقطتين رئيستين، وهما: الظروف الأمنية الإقليمية الهشة، إلى جانب الثقة المتعثرة في الضمانات الأمنية الأميركية وسياسات تصدير الأسلحة التقييدية المتزايدة التي يتبعها الموردون الغربيون التقليديون للسعودية، وهو ما دفع الرياض لتعزيز استعدادها العسكري واستقلالها الاستراتيجي عبر بناء القدرات العسكرية المحلية وتنويع مشترياتها الدفاعية، وسعيها إلى تعويض تأثير النفقات العسكرية من خلال تطوير مجمع صناعي عسكري محلي ومنح صفقات أسلحة كبيرة للشركات المحلية، وهو ما يهدف إلى خلق فرص عمل للشباب السعودي واستيعاب الإنفاق العسكري داخل الاقتصاد المحلي.
رغم تحفظي على بعض ما كتبه ذلك ليوناردو جاكوبو ماريا مازوكو، إلا أنه استطاع تقديم تصورات مهمة في تطور منظومة الصناعات العسكرية السعودية الدفاعية، فوفقًا لورقة ليوناردو وقعت الشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI) في أوائل أغسطس اتفاقية توطين مع شركة الطائرات بدون طيار التركية بايكار لتصنيع طائراتها بدون طيار المتقدمة في السعودية.
وتصدرت الرياض عناوين الأخبار مرة أخرى في منتصف أغسطس من خلال التعبير عن اهتمامها بأن تصبح شريكًا كاملاً في برنامج القتال الجوي العالمي، وهي مبادرة بريطانية إيطالية يابانية لتطوير طائرة مقاتلة من الجيل السادس، ويؤكد الحجم الكبير والوتيرة المتسارعة لصفقات الطيران السعودية على الدور الأساسي للقوة الجوية في تشكيل العقيدة العسكرية السعودية والتخطيط الاقتصادي.
والنقطة الأهم ما ذكره الباحث أنه مع ذهاب 2 % من الإنفاق العسكري السعودي في عام 2017 إلى شركات الدفاع المحلية، إلا أنها سعت في السنوات الأخيرة إلى إحراز تقدم في أهداف التوطين من خلال إعادة تنظيم بيئة الدفاع المحلية وتجديد نهج أعمالها في القطاع العسكري، فضلًا عن تحول الشركة السعودية للصناعات العسكرية بسرعة إلى أكبر شركة دفاعية وطنية من حيث تطوير قدرات التصنيع في مجال الطيران والإلكترونيات المتقدمة وأنظمة الدفاع، وحتى أواخر يونيو، كان لدى الشركة عقود أسلحة متراكمة تزيد قيمتها على 10 مليارات دولار، ومعدل توطين يقترب من 15 %.
خلال منتدى الاستثمار السعودي الفرنسي (أواخر عام 2021)، أنشأت الشركة السعودية للصناعات العسكرية والشركة الفرنسية Figeac Aéro مشروعًا مشتركًا لبناء منشأة تصنيع عالية الدقة لإنتاج مكونات هيكل الطائرات، وتعزيز القدرات الهندسية والفنية والتصنيعية السعودية، في القمة الثنائية، أطلقت الشركة السعودية للصناعات العسكرية أيضًا مشروعًا مشتركًا مع إيرباص لتوفير خدمات الصيانة والإصلاح والتجديد لأسطول طائرات إيرباص ذات الأجنحة الثابتة التابعة للقوات الجوية الملكية السعودية، فيما توسع التعاون بين الشركتين في منتصف عام 2022 بعقد لتعزيز قدرات الصيانة والإصلاح السعودية للطائرات ذات الأجنحة الدوارة.
في المحصلة النهائية، صحيح أنه ما زال أمامنا تحديات في القدرات الصناعية لإنتاج أسلحة متطورة للغاية بشكل مستقل -وهذا أمر طبيعي- إلا أن النتائج على الأرض، وهي كثيرة ولله الحمد، واهتمام قيادتنا باستراتيجية توطين الصناعات العسكرية ستُبرزان نتائج إيجابية على المديين المتوسط والبعيد.. دمتم بخير.




http://www.alriyadh.com/2038160]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]