في الأسبوع الماضي بدأت سلسلة مقالات وعدت أن أستمر فيها لطرح بعض ما استفدته وتعلمته في الحياة الوظيفية على مدى حوالي 40 سنة، علها تفيد النشء كعبر وليست دروسا، فقد قلت إنني أستشهد بعبرة ولا ألقي دروسا، ونوهت أنه قد يكون من حسن حظي أنني عملت في عدة جهات، أو من سوئه، الله أعلم، ولكن المؤكد أنه (أي عملي في عدة جهات) يبعد هواة التأويلات ويحيرهم فلا يمكنهم من توظيف ما أسرده من عبر للاعتبار فيجعلونه إيماء لشخص بعينه، فقد عملت مع عدة أشخاص فخرجت بعدة عجائب وعبر.. وهنا أطرح العبرة الثانية:
في حياتك العملية ستواجه أمرا لم تكن لتتوقعه وهو الغيرة المهنية، ويتمثل في حسد شخص أو عدة أشخاص يعملون في نفس المجال أو التخصص لزميل أو عدة زملاء نجحوا في مهنتهم وقد يصل الحسد حد المحاربة ومحاولة إعاقة النجاح أو تشويهه أو التقليل منه ما أمكن ذلك.
والغيرة المهنية لا تعرف حدودا ولا تعترف بمستويات أو درجة علمية أو مستوى ثقافي، بل حتى أنها (أحيانا) لا تخضع لمستوى الوعي بل تخضعه وتسيطر عليه، وهذه ليست نظرة تشاؤمية، بل تجربة وخبرة، فعليك أن تحسب لها ألف حساب وتتوقعها وتستعد لها وأنت تكافح من أجل النجاح.
لقد رأيتها في أساتذة جامعات وفي أطباء وصيادلة وإداريين كبار ومهندسين وعلماء وباحثين، وقد تصل حدا يضر بالصالح العام ويضحي به، ولذا فإن نصيحتي دوما ألا يجعل الإنجاز الوطني عرضة لأخطار الغيرة المهنية وذلك بأن نبعد النجاح المهني عن تأثير الزميل الإداري، ولذا اقترحت كثيرا أن يتولى الإدارة للمنشأة الصحية إداري متخصص في الإدارة لعدة أسباب أهمها التخصص ووضع المتخصص المناسب في مجال علمه وما تعلم وعدم إيكال الإدارة لطبيب أو صيدلاني فهو لم يتعلمها مطلقا (وهذا سبب رئيس) لكنه ليس الوحيد فقد يخضع الإدارة لمصلحته المهنية ويسلب إنجاز زملائه وقد يسخرها لأهواء الغيرة المهنية فيعيق إنجاز غيره، وليس أقل الأسباب هو تحاشي تأثير الغيرة المهنية على النجاح المهني بسبب النفوذ الإداري، وأحمد الله أن ما اقترحته يطبق حاليا في وطني وبنجاح تام في عهد زاهر.
كتبت ذات مقال (بل عدة مقالات) في هذه الجريدة الغراء منذ عدة سنوات أقول إن الوطن يتسع لأكثر من إنجاز طبي في وقت واحد ومؤسسة واحدة وذلك لما رأيت فيما مضى في ذلك الوقت من تأثر إنجاز جدا بمنافسة إنجاز آخر، لا لشيء إلا لغيرة مهنية، والله أعلم وأحكم.
http://www.alriyadh.com/2038507]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]