أهمية الأسواق وضبطها ومنع الممارسات المخلة بحقوق الناس من الأولويات التي جاء بها الدين الإسلامي. رسول الله (ﷺ) مارس أعمال الرقابة على الأسواق وجعلها من مسؤولياته فكان كثير التردد على الأسواق يتفقدها ويتعرف على أحوال الناس ويراقب عمليات البيع والشراء مانعاً وناهياً عن الغش والتدليس ثم مارس أعمال الرقابة الخلفاء الراشدون من بعده، وفي عهد بني أمية تم تأسيس مفهوم الرقابة ومبادئها، فكان الوالي يتحرى العدل في اختيار من يراقب، فحسنوا اختيار الرقباء وأعطوهم كثيراً من الصلاحيات، وحرصوا على أن يكونوا من أرباب الفقه والعلم مما تستقيم بهم حركة البيع والشراء، كما منحتهم السلطة صلاحيات القبض على من يخالف ويطفف في الكيل والميزان، وأصدروا مجموعة من القواعد والتعليمات التي تحمي الأسواق من الممارسات غير العادلة، ومن ظهر فساده من الرقباء يعاقب ويعزل، وعيّنوا من يقوم بفض المنازعات، وفصل الخصومات، وجعلوا له مكاناً في السوق لسرعة حل المشكلات، وطبقت هذه القواعد على الدول التي حكمها المسلمون. الأنظمة والقوانين الحديثة في مجال الرقابة ما هي إلا امتداد للنواة التي زرعها المسلمون، في المملكة تمارس أعمال الرقابة على الأسواق والمنشآت للتأكد من سلامة المنتجات ومراقبة الصحة والنظافة وصلاحية الأغذية والأدوية وفي السنوات الأخيرة توسعت أعمال الرقابة وتشعبت الجهات الرقابية وأوكلت بعض الوزارات مهام الرقابة إلى شركات متخصصة في الرقابة ومنحتها نسبة من الغرامات المالية، تسبب ذلك في تحول مفهوم الرقابة من تقويم وتصحيح إلى ترصد وتصيد للأخطاء حتى أصبح مقياس جودة عمل المراقب بمقدر ما يجمع من غرامات مالية، وفتح ذلك باباً للفساد فقد يتغاضى المراقب عن الملاحظات إذا حصل على رشوة من صاحب المنشأة.
الدولة -حفظها الله- أدركت أن هناك خللاً في أعمال الرقابة وفرض غرامات مالية بطريقة مجحفة مما كان له الأثر السلبي على أعمال المنشآت الصغيرة والمتوسطة ما قد يتسبب في خروجها نهائياً من السوق، ولذلك صدر قرار مجلس الوزراء على تأسيس المركز الوطني للتفتيش والرقابة، والذي يهدف إلى تنسيق أعمال التفتيش والرقابة بين الجهات الحكومية، وأرجو أن يرتكز المركز على ثلاثة مبادئ أساسية، وضع تصنيف لمخالفات كل نشاط مع ممارسة عمليات التثقيف والتوجيه للمنشآت، ثم التصحيح والتقويم، وأخير فرض العقوبات والغرامات بالتدرج، وتقاس جودة أداء الرقابة بقدرتها على تصحيح المخالفات بلا عقوبات وليس بعدد وقيمة الغرامات.
http://www.alriyadh.com/2039759]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]