"أنا في حلم وإلا علم" مثل شعبي دارج يقوله البعض عندما يتحقق له أمر مستبعد الحدوث أو أقرب للاستحالة.
تذكرت هذا المثل ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم السيد جياني إنفانتينو يعلن من الدوحة استضافة المملكة العربية السعودية لنهائيات كأس العالم 2034.
مصدر هذا التذكر ما تردد في الأوساط الرياضية العالمية ووسائل الإعلام بعد نجاح قطر في تنظيم مونديال 2022 وما صاحبه من فعاليات ونشاطات من مؤسسات وأفراد من أن الفيفا لن يسند تنظيم المونديال لبلد إسلامي ناهيك عن كونه خليجيا ومجاورا لقطر، مما يستبعد ذلك من ناحية جغرافية إلى جانب ما يشير له البعض من إسناد التنظيم لأكثر من دولة نظرا لارتفاع التكلفة وهو ما تم لعامي 2026 و2030.
كان الإعلان مفاجئا للجميع كونه جاء بعد أقل من شهر من إعلان السعودية رغبتها في ذلك وإرسالها الطلب إلى الاتحاد الدولي.
ربما كانت المفاجأة في توقيت الاستضافة وأعني قرب الحدث لكن المتابع للحراك السعودي في مختلف المجالات خاصة الرياضي يدرك أن الاستضافة كانت مسألة وقت وأن التوقيت طبيعي في ظل هذا الحراك وهمة وتطلعات القيادة السعودية وطموح ورغبة الشباب السعودي فنحن وكما هي هوية يومنا الوطني الـ 93 الذي احتفلنا به قبل أسابيع (نحلم ونحقق).
مر علينا زمن لم نستضف بطولة كبرى في كرة القدم بعد كأس القارات 1995 وكأس العالم للشباب 1989 ورغم سيادتنا للكرة الآسيوية على صعيد الأندية والمنتخبات منذ عام 1984 أي قبل حوالي 40 سنة إلا أننا لم ننظم بطولة قارية، حتى البنية التحتية الرياضية لم تتطور كثيرا منذ ذلك التاريخ.
ومنذ تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله - مقاليد الحكم (يناير 2015) ثم إطلاق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤية المملكة 2030 في أبريل 2016، حدث تغير كبير في مفهوم الرياضة لدينا كونها جزءا هاما ومحورا رئيسا في الرؤية حيث أولتها اهتماما كبيرا إيمانا منها بأهميتها ودورها في أعداد الأجيال ذهنيا وبدنيا كونهم يمثلون 70 % من المجتمع السعودي إلى جانب أن الرياضة لم تعد ممارسة فقط بل أصبحت قوة ناعمة لها دورها في تقديمك للآخر وإيصال صوتك ورسالتك للعالم.
هذا الاهتمام تكاملي يسير في خطين متوازيين داخليا وخارجيا:
على الصعيد الداخلي:
الاهتمام بالبنى التحتية ليس فقط للمتخصصين والمحترفين وإنما حتى للممارسين والهواة من الجنسين فإلى جانب تطوير المنشآت الرياضية وبناء أخرى جديدة والمسابقات الرياضية خاصة دوري كرة القدم وخصخصة الأندية هناك الأندية الخاصة والمسار الرياضي في طريق الأمير محمد بن سلمان بالرياض الذي يزيد طوله على 135 كم.
على الصعيد الخارجي:
استضافة العديد من البطولات العالمية مثل الفورمولا 1 ونزالات الملاكمة والشطرنج وغيرها وكأس السوبر الإسباني والإيطالي والتعاقد مع لاعبين عالميين فئة A وقريبا كأس العالم للأندية وكأس أمم آسيا 2027. كل هذه التوجهات أضافت أبعادا جديدة للرياضة السعودية وتوجهها نحو العالمية وجعلت المتابع لا يستغرب طلب المملكة استضافة كأس العالم في هذا التوقيت وتجاوب الاتحاد الدولي مع هذا الطلب وعدم وجود منافس، ما جعل الفيفا يسند التنظيم إليها ربما لأول مرة في تاريخه لا يخضع الأمر للتصويت.
المملكة العربية السعودية تملك كل الإمكانات والاشتراطات المطلوبة لتنظيم هذه التظاهرة العالمية.
فالبنى التحتية من كل النواحي جاهزة من حيث المبدأ ووضعت أساساتها ومخططاتها فالملاعب معظمها سيكون جاهزا في أمم آسيا 2027 ويشترط الفيفا لتنظيم كأس العالم توفر ما لا يقل عن 14 استادا رياضيا ولا يزيد على 20 أحدها يتسع لـ 80 ألفا والبقية تترواح سعتها بين 40 و60 ألف متفرج بمعنى أننا نحتاج لإضافة ملاعب أخرى قليلة وفقا للمدن والمناطق التي ستقام فيها المباريات وتوسيع شبكة المواصلات والنقل داخل وبين المدن مثل القطارات والحافلات لتيسير الوصول إلى مرافق البطولة إلى جانب التوسع في الأماكن السياحية والترفية والإقامة وكلها مشاريع تنموية تبقى فائدتها لمستقبل البلد ومواطنيه والمقيمين.
أما الضمانات والدعم الحكومي التي تقف عائقا أمام بعض الدول في التنظيم فلا تمثل أدنى مشكلة فقيادتنا الرشيدة - أيدها الله - داعمة ماديا ومعنويا لكل توجه يخدم مجتمعها وهي التي تبنت فكرة تنظيم كأس العالم وتدرك أبعاد ذلك وما يترتب عليه.
وماذا بعد؟
تجاوزت الحديث عن الشغف الجماهيري لأنه مفروغ منه وتحدثت عن البنى التحتية لأهميتها وهي الأخرى ليست عائقا في ظل الدعم الحكومي ولله الحمد، لكن ما هو أكثر أهمية من هذا كله، ماذا عن الكوادر البشرية والفنية؟
أمامنا عقد من الزمن هو كاف نظريا للعمل لكنه يمر سريعا غير محسوب في عمر التنظيمات والمناسبات الرياضية.
المنتخب الوطني:
معروف أننا سندخل النهائيات دون تصفيات مسبقة وهذا يتطلب إعداد منتخب مؤهل، لا نطلب الفوز بالكأس بقدر ما يتأهل لمراحل متقدمة في البطولة مقرونة بمستويات مشرفة.
هذا المنتخب أعمار لاعبيه الآن تترواح بين 12 و23 عاما بمعنى أن جيل اليوم في العموم لن يكون ممثلًا لنا في تلك النهائيات، ما يعني منتخب جديد يتم إعداده من الأساس من خلال اختيار مواهب شابة وصقلها وتأهيلها.
وجود اللاعبين الأجانب في أنديتنا بهذا العدد قد لا يعطيهم الفرصة بالمشاركة في دوري المحترفين وهم بحاجة للاحتكاك واللعب في أندية كبيرة، ولذلك أعتقد أن تقليل العدد مستقبلًا مع المحافظة على النوع أعني الفئة A بعد تحقيق الهدف من الكم ممكن أن يدعم هذا التوجه.
الأمر الآخر:
الاهتمام بدوري الفئات السنية ومشاركاتهم في البطولات القارية وتصعيد البارزين منهم لمنتخب 2027 ومونديال 2026 و2030 وتنظيم دورات دولية تسبق مونديال 2034 والمشاركة في بطولة أمريكا الجنوبية والتصفيات الأوروبية لمنحهم المزيد من فرص الاحتكاك والدفع ببعضهم للعب في الدوريات الأوروبية حتى ولو تحملنا تكاليف ذلك والأهم اختيار الأجهزة الفنية المؤهلة والثبات عليها.
الكوادر الفنية:
ندرك جميعا أن جميع القائمين على الكرة السعودية هم من جيل الألفية وأنهم لم يعايشوا عن كثب بطولات كبرى أقيمت قبل هذا التاريخ، ولا عيب في ذلك بل ربما كان ميزة كونهم يمتلكون عزم الشباب وطموحه وبالتالي نبدأ من الآن العمل على تأهيلهم للتنظيم عبر دورات أو بعثات خارجية وورش عمل تسبق البطولة وحضورهم للبطولات الكبرى (آسيا والمونديال) للاطلاع والاستفادة لا للسياحة والمتعة كما هو حاصل الآن مع الاستفادة من خبرات دول وكوادر سبقتنا في التنظيم خاصة في الدول الأوروبية.
التحكيم والإعلام:
والحال ينطبق على التحكيم والإعلام نقولها بكل أسف منذ سنوات لم يبرز لدينا حكام يقنعون المتابع بدليل غيابهم عن مونديال روسيا 2018 وقطر 2022 ومثلهم مثل اللاعبين نريد أن نبني جيلا جديدا يسهم في تطوير الكرة لدينا ونجاح المسابقات، جيل لا ترتعش يده مع الصافرة.
وكذلك الإعلام فهو لا يقل سوءا بل الأسوأ إلا ما رحم ربي وغير قادر على مواكبة الرؤية والطفرة التي نعيشها في الرياضة عموما، ولا يمكن بهذه النوعية والمستوى أن نرتقي بفكرنا ونقدم أنفسنا للعالم في المونديال، وعندما أقول الإعلام إنما أعني شموليته بما في ذلك البرامج والنقل التلفزيوني.
أدرك أن ما سبق لا يفوت على صاحب القرار والمهتمين ولست متخصصا في كثير من الأمور، لكنها تداعيات وطني مخلص عايش هذه الأحداث منذ مونديال الأرجنتين 1978 والتحدي كبير باستضافة 48 منتخبا كأول دولة تستضيف هذا العدد منفردة، وأمامنا تنظيم كأس العالم للأندية ثم كأس آسيا 2027 التي تضم نصف هذا العدد، وهما فرصتين لاعتبارهما (بروفة) مبكرة جدا لهذا الحدث ومن يحمل "همة طويق" فهو أهل له.. والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/2042486]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]