في الكثير من مقالاتي تحدثت عن الإعلام والإعلام الجديد بما فيه وسائل التواصل الاجتماعي في مجتمعنا، ليس فقط لأنها مهمة وأصبحت ضرورية، بل لأننا جزء من المشهد اليومي لها، حيث أصبحنا نتعرض للكثير من العنف والألم من خلال ما تبثه من صور للمجازر والحروب والفوضى، وبما أننا الآن نعيش مجتمع ما بعد الحداثة Postmodern society الذي يلزم الأفراد في المجتمع أن يتحملوا مسؤولياتهم الأخلاقية، الأدبية، والاجتماعية، من أجل التصدي لأي مشاكل نواجهها في حياتنا اقتصاديا واجتماعياً، ولكن هذا لا يأتي بمعزل عن المشاركة الاجتماعية بين الأفراد، والتناغم الاقتصادي والأخلاقي.
إلا أن النظام الثقافي العولمي الجديد بما فيه المعلوماتي والإلكتروني وتكنولوجيا الصورة التي أحدثت ثورة في عالم تهيمن فيه هذه الثقافة العابرة للحدود اللغوية والثقافية والعرقية، جاءت بحالة عجيبة معها وهي اللامبالاة، حيث الصورة العنيفة وتكرارها تولّد اللامبالاة بشكل تدميري، حيث تدمر القيم النبيلة بانتهاكها لحرمة الإنسان، تحت ذريعة الحقيقة ونقل الواقع كما هو، هذا أدى إلى التشكيك بكل شيء حولنا بذريعة الحياد، أيضاً هذا أدى إلى إعادة صياغة المعايير ومنظومة القيم حسب النموذج المعروض عالمياً لتسطيح الوعي، فتركيبة النفس البشرية تمثل مصفوفة من التحديات والصعاب التي يواجهها كل فرد يوميا داخل نفسه.
ومن أجل التصدي لهذه العولمة الرديئة يتطلب العودة إلى تكثيف حضور الوعي الإنساني، والعمل بشكل جاد ومتساوٍ مع العلوم الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، لأن كل تقدم اقتصادي يتبعه موجات كثيرة وكبيرة من حضور الوعي ونقيضه، حيث يؤكد زيجمونت باومان في حديثه عن «الحداثة السائلة» وما فرضته علينا من معطيات مختلفة تؤثر على السلوك البشري بشكل مباشر وغير مباشر، لذلك البحث في الطبيعة البشرية وفي اختياراتها أو طريقتها في التعامل مع الماديات وكذلك التأثر بما حولها بما فيها الإعلام والإعلام الجديد ضرورة تفرضها علينا مشاكل العولمة الثقافية، وقد ذكر عالم الاجتماع «روبرت سياليديني» أن الإنسان لديه شعور بالالتزام للقيام بما تعود على فعله بشكل كبير ويسمى هذا «الالتزام والاتساق» حيث يرجح أننا نضطر إلى الاستمرار في تكرار قراراتنا وأفعالنا الماضية، حتى عندما يكون من الواضح خطؤها، وأحد العوامل المؤثرة هو «العقل الجمعي» الذي يشير إلى الشعور بالأمان عند التواجد ضمن مجموعة.
لذلك لا بد من الوعي الاقتصادي والأخلاقي في المجتمع، فكلما زادت نسبة الوعي المجتمعي كلما تجنبنا الخسائر المادية والأخلاقية، فنحن كبشر لا بد أن نداوي مواضع العجز فينا، فلا يوجد فرد يخلو من العيوب والصدوع ولكن يوجد فرد بالرغم من هذا قادر على التغلب على معرفة الحقيقة والتمسك بالقيم النبيلة وسط فوضى الصور الذهنية والحقيقية من حولنا.
http://www.alriyadh.com/2042817]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]