حينما رحل الروائي الكولومبي الشهير ماركيز في عام 2014.. أعلن رئيس بلاده يومها الحداد الرسمي لمدة ثلاثة أيام، ليشكّل بهذا الموقف تحوّلاً كبيرًا في علاقة السياسة بالثقافة والإبداع، على مستوى التاريخ ولو عدنا بالتاريخ إلى سبعة عقود ماضية من الزمان تقريبًا لاسترجعنا مقولة وزير الدعاية السياسية في عهد هتلر وألمانيا النازية، جوزيف جوبلز حينما قال: (كلما سمعت كلمة مثقف أو ثقافة، تحسست مسدسي) هذا التحوّل الجوهري في موقف السياسة من الإبداع أظن أنه أكثر ما يحتاجه هذا العصر الذي تتحول فيه الحضارة إلى استثمار الإنسان بعد أن استُنفذت الطبيعة فلم تعد الأرض الخصبة أو تلك المنتجة للطاقة التي قامت لأجلها الحروب وتساقطت بسببها الممالك وخرجنا منها بفجائع وكوارث لا تنتهي أقلها أن ننكشف على حقيقة وجودنا المفزعة فيها، حينما ندرك أن أكثر من قتل الإنسان الإنسان، وأن هذا الإنسان الذي وُجِد على الأرض كأنما استأنس كل شيء حوله ونسي نفسه.
أقول صدقًا لم تعد هذه الأرض بكل ثرواتها الطبيعية المستنفذة ذات غاية إلاّ بمن عليها ولو استعرضنا ما وصلت إليه التقنية الحديثة وتذاكرنا معاً حجم هذه المليارات التي تتواترها الأخبار كقيمة لبعض المواقع التواصلية على الشبكة الإلكترونية (منصة إكس، فيس بوك.. تيك توك... وغيرها) لأدركنا أنها في آخر الأمر ليست إلّا استثمارًا لعقلية مبدعة كل مقوماتها الفكر المبدع لطالب في مشروع تخرج مثلاً أو لمبدع جرّب ذات مساءٍ بحاسوبه الشخصي فعثر في لحظة إبداع على فتحٍ جديد في الحياة المعاصرة.
واليوم ونحن تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده المتطلّع والمتماهي دائمًا مع المستقبل والمؤمن بشباب وطنه حد الحلم الذي يراهن عليه حيث الإيمان بالفكر التنموي المستقبلي واستهداف الموهبة والإبداع في كل المجالات آن الأوان لأن نستثمر الإنسان فينا، وأن نجدّد النظر في مواقفنا الحياتية من مبدعينا، فالأمم بحضاراتها ولكل حضارةٍ مبدعوها، وهذا ما تنبّهت له وزارة الثقافة وعملت عليه على مستويات كثيرة لعلّ أهمها هو إخراج الثقافة من دائرتها النخبوية الضيقة لتكون نشاطًا مجتمعياً فاعلاً ومؤثراً في كل جوانب الحياة.. ولعلّ تجربة «الشريك الأدبي» التي نقلت الثقافة من منصاتها العاجيّة وحوّلتها إلى فعل مجتمعي مشاع ومتنوع وثري أو كما قالت الكاتبة فاطمة المزيني «صبّتها لنا في كوب قهوة لنرتشفها مع أصدقائنا في المقاهي» فضلاً عن هذا الدعم الكبير الذي يلقاه المبدع اليوم من خلال فتح قنوات متعددة على مستوى المسابقات الداعمة والبرامج النوعية المساهمة في نشر الثقافة والمعرفة والأخذ بيد المبدعين من أبناء الوطن في كل مجالات الثقافة والفنون، إضافة إلى تنويع مفهوم الفن والثقافة لتشهد مسارات أخرى متعددة كالموسيقى والأزياء والطبخ وغيرها وهي مسارات عصرية التفتت إليها الثقافة ودعمتها في سبيل احتواء الإبداع بكل أطيافه، نستقبل كل هذا الحراك النوعي والمثالي اليوم بعد أن قصر تاريخنا القريب للأسف عن إنصاف عددٍ غير قليل من المبدعين الذين غادروا حياتنا الدنيا على مستوى الفن والشعر والرواية، لكننا اليوم نتنبّه لذلك الخذلان الذي عاشه أولئك المبدعون بالأمس ونفتح لمبدعينا آفاقاً متعددة تعينهم على مصاعب الحياة ومعاناة الإبداع ليواجهوا متطلبات الحياة بثقة وثبات في بلاد أنعم الله عليها بالخير الوفير وبالقيادة الحكيمة الطموحة التي أدركت أهمية الإبداع ومخرجاته في عصر لا يحتفل إلّا بالمبدعين.
فاصلة:
متلازمانِ
مع الرواة وكل راوٍ ما روى
متوازيانِ...
يسير في ظل الجدار ويختفي فيه.. ويمسح عن فم الطرقات قبلات الغوى..!
متقابلان..
يجوع فيه الصمتُ.. تأخذه الطريق بنيّة الرجل النبيل وما نوى..!
متآثمانِ
الشاعر المجنون يكذب.. أو يموت من الهوى..!
http://www.alriyadh.com/2042797]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]