هي رواية للمجدد الروائي في زمنه غوستاف فلوبير، صاحب رواية مدام بوفاري الشهيرة جداً. وهي رواية بطلها من نوع اللا بطل، والذي سماه المترجمون البطل المضاد، لا تعجبني الترجمة ولا أعرف لها بديلاً وليس لدي ترجمة جديدة لكن أفضل كلمة لا بطل. بمعنى أن بطل الرواية ليس لديه صفات بطولة، بل هو يجمع الكثير من الصفات السيئة التي تأنف منها النفس السوية، وهذا ما يجعلني أتعجب من الذين يقولون إن فلوبير في الرواية كان يتحدث عن نفسه ويؤرخ لفترة شبابه، ربما كان ذلك صحيحاً، وربما فلوبير في الرواية كان يكتب سيرته الذاتية على غرار كل الذين كتبوا سيرهم الذاتية بتجرد شديد يصل حد الفضائحية. وإذا صح ذلك، هل كان فلوبير يحاكم نفسه أم كان يحاكم العصر والطبقة التي ينتمي إليها؟
التربية العاطفية هي رواية تتبع شاباً من سن الثامنة عشرة حتى يكبر في السن، تتبع أفكاره، مشاعره وكيف يتحرك في الحياة؟ ما الذي يملي عليه ردود أفعاله؟ وما الحب؟ وكيف يؤثر في علاقته بالآخرين؟ الثروة والمكانة الاجتماعية والثورة وتأثيرها عليه وعلى من حوله من شباب ورجال أعمال وكل من يعرف من أشخاص مهمين أو غير مهمين في حياته.
رواية عن شخص أناني، متذبذب، يحب حين لا يشكل الحب عائقاً أمام طموح معين، أو حين يأتي بفائدة معينة، ليس مستعداً لتقديم تضحيات في سبيل أي شخص أو فكرة. هو في النهاية شخص طفيلي يتحرك حسب مصلحته بدون خجل أو توارٍ أو محاولة تبرير. وعلى الرغم من أنني قرأت مراجعة تدعي أن القارئ يتعاطف مع هذا البطل بالرغم من نواقصه إلا أنني لم أفعل، لم أتمكن من التعاطف مع شخص بهذه الصفات، مهما كان الراوي يتحدث عنه بشكل طبيعي، بدون أحكام مسبقة وبدون تعليق على تصرفاته، وهنا تكمن عبقرية الرواية، هو فقط كان يتحدث عن أفعال هذا الشخص، ويمكنك أنت أن تتخذ الموقف الذي تريد منه، أنا شخصياً لم أنتبه لأي حد كان هذا البطل مرعباً في أنانيته إلا بعد قراءة أكثر من ثلث الرواية. فجأة اكتشفت أن حبه للمرأة الوحيدة التي لم يستطع نيلها، والذي استمر للنهاية ربما كان هذا سببه، أنه لم يستطع أن يقترب منها كفاية.
التربية العاطفية رواية رائعة، في أسلوبها وفي تأريخها لطبقة معينة من البشر في هذه الفترة من تاريخ فرنسا، فترة ثورة العام 1848. هنا يكمن جمال الروايات، ليس تأريخ الأحداث ولكن وصف النفس البشرية أثناء هذه الأحداث.




http://www.alriyadh.com/2043715]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]