حين نعيش حياتنا المليئة بالسعادة والفرح والسرور فلا ملامة علينا شرعاً، ولا استدارك عقلاً، لأننا لا نظهر للناس خلاف ما نبطنه، فنحن ولله الحمد نرفل بأمن واستقرار، ورغد من العيش، وحالنا وإن نتعاطف مع كل مصاب فإن ذلك لا يعني أبداً أن نقيم للنياحة الكاذبة سرادقاً أو ميداناً..
لا نحتاج في إثبات مشاعرنا الإسلامية إلى دليل، فنحن ولله الحمد مسلمون فطرة، ونشأة وثباتاً نسأل الله تعالى أن نبقى عليه إلى أن نلقاه.
ولكن في كل محنة أو بلية تبتلى بها بعض الشعوب أو بعض الدول الإسلامية أو العربية، ترتفع أصوات تقسم الناس إلى فسطاطين، كما فعل زعيم القاعدة حينذاك، فيوم أن تفاخروا بغزوة منهاتن كما سموها قسموا العالم إلى فسطاطين، فمن أيدهم فهو المؤمن، ومن خالفهم فهو المنافق، ولا يخفى أن القسم الأكبر هو عدوهم الكافر.
وما زلنا نعايش الأفكار والتقسيمات نفسها بين فينة وأخرى. وما يجري في غزة هذه الأيام يعيدنا إلى النفق نفسه الذي مررنا به في أزمات سابقة.
القاسم المشترك في الأحداث هو تقسيم المسلمين إلى مؤيد ومعارض، فالمؤيد هو في فسطاط المسلمين المؤمنين الموحدين، إلى آخر ذلك، والمعارض أو حتى لو لم يعارض فهو في فسطاط المنافقين المخذلين المثبطين القاعدين، ولا تنتهي أوصافهم لمن لم يرَ رأيهم.
وتعاني مملكتنا الحبيبة وقيادتها الرشيدة مُرّاً من هذا التقسيم، ومن هذه التهم والنعوت الظالمة، لمجرد أن موقفها لا ينسجم مع موقف «قادة وأتباع الفسطاط المسلم» حسب تقسيمهم.
وأنا في مقالي هذا لا أريد الذب عن بلدي لأن القوم قد «استغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا» فهم لا يريدون تبرئتها، بل جاء الحدث فرصة اهتبلوها لإدانتها، ومهما فعلنا فلن نصل لإقناعهم، وليس إقناعهم هدفاً لنا، ولا غاية.
وما أريد الحديث عنه هنا هو ما يشنع به من استمرارية الحياة على طبيعتها في بلادي الحبيبة، أدام الله أمنها واستقرارها ووحدتها، بحجة لم تنفك ولن تنفك مدى الدهر، فمصيبة المسلمين في غزة ليست وليدة اليوم، بل هي منذ سنوات بل عقود. وكم من مصيبة تصيب الأمة في شرقها وغربها، ولو توقفت الحياة عند كل مصيبة لما كان لها أن تمضي يوماً، ولا لوطن أن يبنى ولا لفرحة أن ترسم.
ومفهوم الأخوة الإيمانية ليس معناه أن تقيم العزاء عند إصابة أخيك المسلم في أي قطر، بل ولا أن تقيم عزاء أو تمتنع عن فرحة لمصاب جارك الأدنى إليك جداراً.
ولو كان هذا هو المقصود فإنه لن يوجد وقت لابتسامة، ولا لنكاح ولا لتلذذ بطعام، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن تقسيم الناس إلى فسطاطين، وإلزامهم بما لا يلزم شرعاً ولا عقلاً وإلا وصفوا بالمنافقين، أو بالمتصهينين لا بد فيه من إثبات العصمة للقائد المتصرف ومتخذ القرار! حتى يكون من خالفه قد خالف معلوماً من الدين بالضرورة. وأنا هنا أتحدث من باب العموم، وإلا فإن موقف المملكة معلن وبيّن لا يخفى على ذي عينين، ولا يشتبه على منصف، ولا يشك فيه حصيف.
وحين نعيش حياتنا المليئة بالسعادة والفرح والسرور فلا ملامة علينا شرعاً، ولا استدارك عقلاً، لأننا لا نظهر للناس خلاف ما نبطنه، فنحن ولله الحمد نرفل بأمن واستقرار، ورغد من العيش، وحالنا وإن نتعاطف مع كل مصاب فإن ذلك لا يعني أبداً أن نقيم للنياحة الكاذبة سرادقاً أو ميداناً، لكنها شنشنة يراد منها ما يعلمه ذوو الألباب، وإلا فإن اللائم لم يترك منامه، ولم يعفُ طعامه، وما جرت له دمعة إلا على المنصات لينال بها من أناس حالوا بينه وبين ما يشتهيه، وقطعوا عليه حبال أمانيه، وأظهروا للناس ما يخفيه. هذا، والله من وراء القصد.
http://www.alriyadh.com/2044185]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]