صديق لي لا علاقة له بالمسرح سوى أنه يصنف نفسه متفرجا ليس إلا، بعث لي برسالة واتس يطلب مني أن أكتب مسرحية عن كبار السن المتقاعدين وعن حياتهم وما آلت اليهم أمورهم الحياتية مع أسرهم ومجتمعهم، وتضمنت رسالته كلاماً جميلا عن كبار السن، يقول فيها: إياك وكبار السن قد يرقدون ولا ينامون، وقد يأكلون ولا يهضمون، وقد يضحكون ولا يفرحون، وقد يوارون دمعتهم تحت بسمتهم، يؤلمهم بُعدُك عنهم، وانصرافُك من جوارهم، واشتغالُك بهاتفك في حضرتهم، لم يعودوا محور البيوت وبؤرة العائلة كما كانوا قبل، فانتبه ولا تكن من الحمقى فتشقى، حوائجهم أبعد من طعام وشراب وملبسٍ ودواء بل وأهم من ذلك بكثير، قريبون من الله دعاؤهم أقرب للقبول، فقدوا والديهم وفقدوا كثيراً من رفقائهم، فقلوبهم جريحة ونفوسهم مطوية على الكثير من الأحزان، الكلمة التي كانت لا تريحهم حال قوتهم الآن تجرحُهم والتي كانت تجرحهم الآن تذبحُهم، لديهم فراغ يحتاج عقلاء رحماء يملؤونه، يحتاجون من يسمع لحديثهم ويأنس لكلامهم ويبدو سعيداً بوجودهم، غادر بهم القطار محطة اللذة وصاروا في صالة انتظار الرحيل، ينتظرون الداعي ليلبوه، يحتاجون إلى بسمةٍ في وجوههم، وكلمةٍ جميلة تطرق آذانهم، ويداً حانية تمتد لأفواههم وعقلاً لا يضيق برؤاهم، هم الأب والأم والجد والجدة وسواهم من ذوي القرابة ممن شابت شعورهم ويبست مشاعرهم، اجعلهم يعيشون أياماً سعيدة ولياليَ مشرقة ويختمون كتاب حياتهم بصفحات ماتعة من البر والسعادة، حتى إذا خلا منهم المكان لا تصبح من النادمين، كن العِوضَ عما فقدوا وكن الربيعَ في خريف عمرهم وكن العُكّازَ فيما تبقى، سلامٌ عليهم وسلامٌ على من يراعونهم، كبار السن سيذهبون وعما قليل ستكون أنت هذا الكبيرَ المسنَّ... فانظر ما أنت صانع وما أنت زارع، إلى هنا انتهت رسالة الصديق ولم أرد عليه إلا بقول: حفظ الله أهلينا ورحم كبارنا ومن سبقنا إلى جنات عليين، وسؤالي الآن لمن يكتب للمسرح من الجيل المسرحي الجديد، هل من كاتب يكتب عن كبار السن المتقاعدين، فأنا وإن كنتُ من المحسوبين على التأليف المسرحي، قد يحالفني التوفيق وقد لا أوفق في الكتابة عن مطلب هذا الصديق المتفرج المسرحي وهو القرار الأرجح في عدم الكتابه، لأني وببساطة شديدة: أنا من كبار السن ومتقاعد، وإن كتبت فربما أجنح إلى تجربتي الشخصية استسقي منها ما جرى لي، وهي بالتالي ليست مقياسا لمن هو يعيش حياة التقاعد وكبر السن، لكن سبق وأن كتبت مقالا سابقا في هذه الزاوية (تدوين) عما بعد الستين، أتذكر أنني قلت: قد تشعر أيها الستيني بغربه داخل أسرتك فأنت مختلف عنهم وأنت ترى ما لا يرونه، فخيالك أوسع وأكبر من تصوراتهم وهذا قد يسبب لك الكثير من المعاناة، فتعرف الكثير عن أسرتك وعن أقاربك وعن مجتمعك وتعرف كثيراً عن دوافع ومسببات أكثر الأفعال والتصرفات وعن السلوكيات اليومية، تتعلم كذلك أن جرحك لا يؤلم أحداً سواك، وأنك لو تألمت فسوف يكون ذلك مفيداً لغيرك بل إن من يبكي حولك لا يفيدك بشيء.




http://www.alriyadh.com/2044679]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]