فلسفة الحب الخاصة لا يفهم كنهها إلّا العاشق، وقد حاول المفكرون تفسير الظاهرة؛ فهو عند اليونانيين مرتبط بالجسد، وقسموه إلى نوعين: أولهما عاطفة الصداقة؛ وهي العلاقة التي تنشأ بين شخصين في إطار متبادل من الحب الإنساني. والآخر سمَّوه الحب الأفلاطوني، الذي يرتقي إلى درجات المثالية التي تجد في البعد عن الحسية والجسدية تساميها من خلال علاقة روحية خالصة.
وفي الموروث العربي نجد نظرات الأدباء والفلاسفة للحب كثيرة، وقد أفردوا له مؤلفات خاصة حاولوا من خلالها أن يصنفوا أنواعه من خلال التعمق في هذه العاطفة الإنسانية النبيلة. وكان الجاحظ قد تناول هذا الموضوع في كتابين له: الأول (رسالة القيان)، والثاني (كتاب النساء)؛ مشيراً من خلالهما إلى أن الحب يجب أن يكون عقلانياً بعيداً عن اللهو والعبث الذي طالب الناس بمقاومته وضرورة الابتعاد عنه. وغير بعيد عن ذلك كتاب (طوق الحمامة في الألفة والآلاف) لابن حزم الأندلسي، الذي يقول فيه: "الحب أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلّا بالمعاناة. وكل أجناس الحب التي تقوم على المنافع الحسية سرعان ما تزول وتنقضي بانقضاء عللها، إلّا محبة العشق الصحيح المتمكن في النفس فهي لا فناء لها إلّا بالموت".
ويعدّد علامات الحب فيشير إلى إدمان النظر للمحبوب فلا تحيد عيونه عمن أحب، وحب الوحدة والأنس بالانفراد؛ ويتبدى بتحول الجسم وميل المحب إلى السهر.
وقد رأى أبو بكر الرازي في العشق بلية؛ فنصح بالابتعاد عنه وتجنبه، وهو يراه من نصيب الأقل توفيقاً، وهو عند من يفضلون الشهوات الحسية على الروحية، فهو عنده منقصة تلحق العيب بالنفس والأذى بالجسد. وقد أشار الفيلسوف الطبيب ابن سينا في كتابه (القانون) إلى مجموعة من الأعراض التي تظهر على المحب؛ من مثل اختلاط الذهن والهذيان والحمق وفساد المخيلة. ويعقد للعشق فصلاً فيرى فيه أنه علّة مرضية، وهو يقارن بين العشق والكآبة، ومن علامتهما غور العين ويبسها، وتغيّر الحالة النفسية من فرح وضحك إلى سرور وبكاء، وخاصة عند ذكر الهجر والفراق.
ويرى الفيلسوف ابن عربي في كتابه (الفتوحات المكية) أن من علامات المحب مفارقة النوم، وعند ابن عربي أن العشق يكون لذاته؛ فهو القصد والغاية التي ما بعدها غاية. ومن أمثلته عشق قيس بن الملوح لليلى؛ فقد كان يلهج باسمها ويكرر ذكرها، وإن لبت نداءه رفضها وطلب منها الابتعاد عنه؛ فهو مشغول بنداء الحب لا المحبوب ذاته.

والحب عند ابن عربي درجات وفقاً للحالة الشعورية، ومن تلك الدرجات أنه يكون في حالة (الهوى)؛ وهو الميل العاطفي الذي ينشأ نتيجة نظرة خاطفة أو كلمة عابرة، وأكثره تأثيراً ما يكون عن حاسة البصر؛ لأن البصر أقوى الحواس. والدرجة الثانية للهوى تكون (الحب)، وهو الميل نفسه الموجود في الهوى غير أنه يترافق بالرضى والإخلاص؛ فهو يقوم على فعل الاختيار والاصطفاء؛ فيبقي على محبوب واحد لا يتجاوزه. والدرجة الثالثة هي (العشق)، وهو الإسراف في المحبة، ويكون باستئثار النفس كلها؛ فيستولي على كل مشاعرها، ويسيطر على مكامن إحساساتها؛ فلا يرى أو يحس إلاّ بما في المحبوب، وكأنه الحبيب في هذه الحالة يختصر الوجود كله فيه، فالحبيب يصبح هو الكون كله في وعي العاشق. ولقد أبدع الشعراء في وصف الحب وتعداد صفاته وتصنيف درجاته. وللحب حضور قوي ومميز في كل ما كتب قديماً وحديثاً، وسيبقى الحب الواحة الغنّاء التي يستظل في أفيائها الشعراء والأدباء، مادامت القلوب تنبض، وما دامت الحياة تتجدد في كل إشراقة شمس؛ لأن الحب هو رجوع الإنسان إلى صفائه وفطرته الأولى.




http://www.alriyadh.com/2045163]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]