هيئة الإحصاءات السعودية في 2010 أشارت لوجود 970 ألف وحدة سكنية فارغة داخل المدن، نسبة البيوت الشعبية فيها 20%، والبقية شقق وفلل سكنية، وأتوقع أنها زادت كثيراً اليوم، وهذه الوحدات قادرة على إسكان ثلاثة ملايين شخص، وعلى وزارة الشؤون البلدية العمل على فلترتها، وشراء الصالح منها لتسكين المستحقين..
في 13 سبتمبر من العام الجاري، وقعت وزارة الشؤون البلدية في المملكة، مذكرة تفاهم مع شركة داون تاون السعودية، والأخيرة مملوكة لصندوق الاستثمارات العامة، وكان ذلك خاصاً بتطوير معايير التخطيط والتنمية لمشاريعها في 12 مدينة، وكلها تصنف من بين الحواضر متوسطة الكثافة السكانية، لان مدن من نوع الرياض وجدة والدمام لم تكن في القائمة، وما قامت به الوزارة يعتبر من الأولويات، في الوقت الحالي، ويخاطب اهتمامات الرؤية الوطنية، وذلك فيما يخص الوصول بثلاث مدن سعودية ضمن أفضل مئة مدينة في العالم.
التخطيط العمراني السعودي، اهتم في البدايات بالجانب الكمي وبإسكان الناس، وبالأخص في فترة الوفرة الاقتصادية وتوطين البادية، وبما يمكنه من استيعاب معدلات النمو السكاني المرتفعة، والتي وصلت في فترتي الستينات والسبيعينات الميلادية إلى 6%، ولم يلتفت إلى الجوانب النوعية إلا في 2016، وهو ما كرس أمور جديدة في بند الأولويات، كجودة الحياة والاستدامة وأنسنة المدن، ومن الأمثلة، تحول وادي حنيفة بالرياض من مكب للنفايات، إلى واحد من أفضل المواقع العالمية، وحصوله على جوائز كثيرة، من أبرزها، جائزة الآغاخان الدولية للعمارة.
قرابة 70% من محتوى رؤية المملكة تكلم عن المدن بشكل خاص، وركز على تعزيز تنافسيتها وتأهيلها كوجهات عالمية، وهذا لن يتحقق إلا بالمحافظة على الهوية العمرانية لكل مدينة، حتى لا تتحول إلى نسخ متطابقة، فقد كانت مشاهدة البيوت في الخمسينيات الميلادية من القرن العشرين، كافية لتحديد هويتها المعمارية، والنمط السابق لا زال حاضرا في أوروبا، وتحديدا في مدينتي روما والبندقية بإيطاليا، ورغم أهمية أكواد البناء، إلا أنها قد تؤدي إلى تماثل غير مرغوب، ما لم تضع في حساباتها الخصوصيات المكانية والثقافية، بجانب مراجعة نصيب الفرد الواحد في السكن، والذي يقدر بحوالي 90 مترا مربعا، وهو رقم مبالغ فيه، فالمتوسط العالمي لا يتجاوز 45 مترا مربعا، ونصيب الفرد في الدنمارك، صاحبة الصدارة في أوروبا، يقف عند 60 مترا مربعا.
بالإضافة لرفع معدل مشي المواطنين، والمقدر بنحو ثلاثة آلاف خطوة في كل 24 ساعة، ليصل إلى المتوسطات العالمية، أو ما يقارب المعدل السويسري الذي يصل إلى ثمانية آلاف، وهذا لن يتحقق إلا إذا أصبح المشي وسيلة تنقل أساسية للسعوديين، ومعه بناء المساكن بحسب الاحتياج الفعلي، فقد أشارت دراسة سعودية، إلى أن 40% من مساحة الفلل في المملكة، لا تستخدم من قبل ساكنيها، إلا بواقع 19 يوما في العام، ما يعني أنهم لا يحتاجونها من الأساس، إلا لدواعي التفاخر والمباهاة والنفاق الاجتماعي.
مصمم المخطط العمراني لمدينة الرياض كان مهندساً يونانياً، اسمه كونستانتينوس دوكسياديس، وصمم المهندسان الإنجليزيان، السير جاكسون وروبرت ماثيو، مدينة جدة، بما يتناسب والخدمات الموفرة في تلك الأيام، والمخطط الثاني سجل نجاحا لافتا قبل التدخلات العبثية فيه بعد عام 1990، وما ترتب عليها من كوارث أهمها سيول جدة، واعتمدت المنطقة الشرقية وخصوصا الخبر، على نماذج مستوحاة من تخطيط المدن الأميركية، ومع أن التخطيط العمراني موجود من أيام الآشوريين، أو منذ ستة آلاف عام، إلا أن الإنجليز أصحاب تجرية ناجحة في المجال المعماري، وهم يفضلون التخطيط الشبكي البسيط بشكليه الأفقي والعمودي على غيره، ومعه الكثافة السكانية في أماكن متقاربة، وبأسلوب يحفز الأشخاص على المشي وركوب الدرجات الهوائية والنقل العام، وبحيث لا يزيد متوسط مسافة المشي للوصول إلى الخدمات أو استخدام المترو أو الباص على ثمان مئة متر، وهذه المسألة لا تدعمها هندسة الطرق ولا الأرصفة، على المستوى المحلي، ولا مواقف السيارات في محطات المترو، لأن انتظار الوصول لهذه المواقف في ساعات الذروة، ولن يختلف عن الدخول لمهرجان موسم الرياض في الويكند، وبالتالي فالشارع والسيارة أفضل.
المدن السعودية، في غالبيتها، أخذت بالنموذج الأميركي في العمارة، والذي يميل إلى التباعد في المساكن، وقلة الكثافة السكانية، ويعتمد على السيارة كوسيلة أولى في التنقلات، ما يفسر استخدام السعوديين المفرط للسيارات، وفي أميركا ساهم ما سبق في خفض نسب الأطفال الذين يمشون إلى مدارسهم، وأوصلها إلى 15% في 2012، بعد أن كانت 50% في 1980، وهو ما تسبب في زيادة السمنة لديهم بمعدل ثلاثة أضعاف، والأطفال السعوديون لا يختلفون، وأشارت هيئة الإحصاءات السعودية في 2010، إلى وجود 970 ألف وحدة سكنية فارغة داخل المدن، نسبة البيوت الشعبية فيها 20%، والبقية شقق وفلل سكنية، وأتوقع أنها زادت كثيراً اليوم، وهذه الوحدات قادرة على إسكان ثلاثة ملايين شخص، والمفروض أن تعمل وزارة الشؤون البلدية على فلترتها، وعلى شراء الصالح منها لتسكين المستحقين، وفق آلية الاسكان المعمول بها، وبعيدا عن معظم مشاريع الإسكان الموجودة خارج دائرة المدن والخدمات، والتي لن يستفيد ساكنوها من النقل العام، ولن يفكروا في إحلاله محل السيارة.




http://www.alriyadh.com/2046063]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]