يروى أنه خلال الحرب الباردة حصل سباق بين متسابقين اثنين من أميركا والاتحاد السوفييتي، وفاز المتسابق الأميركي. في اليوم التالي نشرت الصحف الغربية بأنه فاز المتسابق الأميركي بالمركز الأول في السباق بينما حصل المتسابق السوفييتي على المركز الأخير، أما الصحف الروسية فنشرت الخبر بالصيغة التالية: "المتسابق السوفييتي يحقق المركز الثاني أما المتسابق الأميركي فأنهى السباق في المركز قبل الأخير!".
القصة أعلاه وإن كانت غير حقيقية تماماً لكنها تعبر عن خطورة استخدام الكلمات والعبارات لوصف الحدث نفسه بطريقة مختلفة تماماً يمكن أن تؤثر على وجهة نظر المتلقي، فمن يقرأ الرواية الروسية للخبر سيتصور أن المتسابق السوفييتي حقق مركزاً متقدماً مقارنة بنظيره الأميركي الذي كان سيئ الأداء وفي ذيل القائمة رغم أن الحقيقة ليست كذلك أبداً.
والأمر نفسه ينطبق على المدير الذي قد تصله التقارير والوشايات والكلمات مجتزأة من سياقها والأرقام مختزلة فتحور معناها تماماً، وكم من قرارات ظالمة وجرائم إدارية حصلت بسبب مديرين ومسؤولين لم يتبينوا ولم يتأكدوا من الحقائق واتخذوا القرارات دون الاستماع لجميع الأطراف.
ولتبسيط المسألة فلو حصل أن ذئباً حاول أن يهاجم قطيعاً للأغنام ويفترس إحدى الغنمات، ولكن الراعي تصدى للذئب ودافع عن أغنامه وأصابه إصابة بالغة، بالنسبة للأغنام فذاك الراعي بطل مغوار همام يتحلى بالشجاعة وحس المسؤولية العالي، أما بالنسبة للذئب فالراعي شخص أناني ضيق الفكر وغير متعاون وعدواني وهمجي وفوق ذلك عديم القلب حيث منعه من رزقه ومصدر عيشه هو وصغاره. وتخيل لو أن الذئاب والغنم كانت بشراً في بيئة عمل وكان خال الذئب هو مدير الراعي، لك أن تتصور كيف سيكون مصير الراعي المسكين لو كان خال الذئب المدير بلا حكمة ولا ضمير وأصدر قراره بالفصل أو العقاب تجاهه بناء على وجهة نظر الذئب رغم أن الراعي حفظ الأمانة وأدى واجبه على أكمل وجه.
مثال آخر أعجبني عن فصل الخريف، فكما يقال مع حال الورقة التي ظلت على الغصن ولم تسقط خلال موسم الخريف، تلك الورقة التي لم تسقط بالنسبة لغصن الشجرة تمثل الوفاء والولاء في أسمى معانيه، لكنها من وجهة نظر بقية الورقات التي سقطت خائنة وخارجة عن الجماعة، وقد تبدو تلك الورقة الباقية في الغصن متمردة ورافضة للأوامر في عيون فصل الخريف، وقد تمثل منظراً جميلاً وشاعرياً يرمز للتمسك بالأمل بالنسبة لمصور أو فنان.
باختصار، كثير من الأمور يمكن النظر لها من زوايا مختلفة، والكثير من القرارات لا يمكن فهم أسبابها إذا لم تتبين مسوغاتها والظروف المحيطة بها، ومهمة القائد هي أن يستوضح الحقائق ويتبين إن جاءه الفساق بأنباء كي لا يصيب قوماً بجهالة ويندم بعد أن تدفع المنظمة ثمن ذلك القرار المستعجل والخاطىء.
وختاماً، لن تستطيع أن ترضي جميع الناس، وستكون عرضة للهجوم والنقد في كل الأحوال، لذلك احرص على أن تتخذ القرار الصحيح الذي يرضي ضميرك في ضوء ما لديك من معطيات ولا تكن أبداً مثل خال الذئب!
http://www.alriyadh.com/2046255]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]