يعتبر الملياردير تشارلي مونجر، حكيم وول ستريت، والذي توفي الثلاثاء الماضي عن عمر يناهز 99 عاماً، ورفيقه وارن بافيت، مثالاً ساطعاً على كفاءة التفكير برأسين، بدلاً من التفكير برأس واحد، فقد نجح الرجلان معاً بفضل الشراكة التي امتدت بينهما لعقود، والتي من خلالها أصبح بعض المساهمين في شركة بيركشاير هاثاواي من أصحاب الملايين، فيما اكتسب آخرون ثقافة الاستثمار بفضل تتبع نصائحهم المالية، ويمكن القول بأن مونجر كان الشخصية البديلة لبافيت، فقد تمتع بالقدرة على تحديد النقاط العمياء لشريكه التجاري، وقد ألهمت أفكارهما الكثير من المؤلفين حول العالم، ومع ذلك، لم يكن مونجر نسخة كربونية من بافيت، بل كان له بصمته الخاصة، وعندما طُلب من بافيت تسمية أعظم إنجازاته الاستثمارية، قال: "تجنيد تشارلي"، الأمر الذي يطرح سؤالاً حول ما سيفعله بافيت في غيبة مونجر.
يعتبر مونجر المولود في يناير 1924 في مدينة أوماها، أكبر مدن ولاية نبراسكا الأميركية، أحد أقوى رجال الأعمال في العصر الحديث، ومن الطريف، أنه عمل في شبابه في "بافيت آند سون"، وهو محل بقالة كان يديره جد بافيت، وعندما التقي مع بافيت في عام 1959، أصبحا صديقين للغاية وبسرعة، فقد كان لديهما نفس الاهتمامات المشتركة بالاستثمار وروح الدعابة، وهذا الأمر سهل عملهما معاً منذ عام 1978، فقد ترك مونجر شركته الخاصة ليتولى منصب نائب الرئيس في بيركشاير هاثاواي، ويبدو أن مونجر اتخذ القرار الصحيح، فقد استطاع مونجر تكوين ثروة بنحو 2.5 مليار دولار، في حين حقق بافيت، ثروة بحوالي 117 مليار دولار، وبسبب هذه الثروة، لاحظ مونجر أن العالم يحركه الحسد، وليس الجشع.
يعد مونجر، بالنسبة لبافيت، "الرجل البغيض"، فقد كان يستخدم حق النقض على عمليات الاستحواذ المرتجلة في الشركة، وفي المناسبات النادرة التي اختلف فيها بافيت ومونجر، كانا يتصرفان بروح الدعابة، وكان مونجر أيضاً محترماً في إسداء النصيحة لشريكه، ففي الاجتماع السنوي لشركة بيركشاير عام 1999، سأل أحد المساهمين بافيت: كيف تعرف أن لديك فكرة كبيرة؟، فأجابه بافيت: أعرف أن لدي فكرة كبيرة عندما أتحدث عنها مع تشارلي فيرفض، بدلاً من أن يقول لي: هذه أسوأ فكرة سمعتها على الإطلاق، وربما انشغل المراقبين لفترة طويلة في مصير "بيركشاير" بدون بافيت (93 عاماً) واليوم بعد وفاة مونجر، يتبدل السؤال بنفس القدر من الصعوبة حول كيف ستكون بيركشاير بدون مونجر، أو بعبارة أخرى، كيف سيكون بافيت بدون شخصيته البديلة، الشخص القادر بشكل فريد على التعرف على هويته وتوجهاته ونقاطه العمياء.
كان مونجر وبافيت يكملان بعضهما البعض بطريقة مثالية للمساهمين، والواقع، أن الرجلين كانا لديهما نفس السمات المشتركة، مثل كونهما متعلمين، ومخلصين للعمل، وصبورين، وعقلانيين، وجديرين بالثقة، ومركزين على المدى الطويل، والخبر الجيد بالنسبة لمساهمي شركة بيركشاير هو أن الرجلين سعيا إلى بناء المؤسسية، وتعزيز هذه الثقافة لأكثر من 60 عامًا، وهذا الأمر يقدم إجابات مطمئنة حول مستقبل الشركة العملاقة خارج عباءة مونجر، وكذلك خارج عباءة بافيت، وسيتولى العديد من الأفراد أجزاء مختلفة من الأدوار التي لعبها هذان الشخصان، وكما سيتم تقسيم دور بافيت بين خلفائه، كذلك سيتم تقسيم دور مونجر على عاتق من يخلفه، ويكفى قراءة كتاب "بيركشاير وراء بافيت.. القيمة الدائمة للقيم" لمؤلفه الأكاديمي الأميركي لورانس كونينغهام للاستفادة من نموذج بيركشاير في الإدارة، ومعرفة كيف نجح بافيت في تحويل شركة نسيج فاشلة إلى إمبراطورية ذات إرث مؤسسي.




http://www.alriyadh.com/2046237]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]